حكم التجري :
التجري والانقياد من الموضوعات العرفية في جميع الأزمان والمذاهب والأديان ، فلا بد في الحكم بقبح الأول وكونه موجبا لاستحقاق الذم أو العقاب ، وحسن الثاني ، وكونه موجبا لاستحقاق المدح أو الثواب ، من الرجوع إلى المرتكزات العقلائية ، ولو ورد دليل من إجماع أو نص فهو إرشاد محض إلى المرتكزات ، لا أن يكون دليلا مستقلا في مقابلها.
نعم ، يمكن أن يلاحظ فيه جهة المولوية أيضا مضافا إلى الإرشاد.
فالتجري إما أن يوجب استحقاق العقاب أو لا ، وعلى الثاني إما أن يوجب القبح الفاعلي أو لا ، وقال بكل من هذه الاحتمالات قائل.
والحق أن التجري يوجب استحقاق العقاب ، لأن المناط في إيجاب المعصية الحقيقية لاستحقاق العقاب ليس إلا هتك المولى والمبارزة معه والظلم عليه ، ولا ريب في تحقق ذلك كله في مورد التجري لدى العقلاء كافة ، فيصح تشكيل القياس على نحو الشكل الأول ، فيقال : التجري هتك للمولى ، وكل هتك له يوجب استحقاق العقاب ، فالتجري يوجب استحقاق العقاب.
إن قلت : نعم ، ولكن لتفويت الغرض وتحقق المخالفة مدخلية أيضا.
قلت : تفويت الغرض في الرتبة المتأخرة عن الهتك والظلم على المولى ، وهما في الرتبة الاولى ، فيقال تجرأ على المولى ففوت غرضه.
إن قلت : إن ذلك موجب لتعلّق استحقاق العقاب بأمر غير ملتفت إليه ، بل غير اختياري ، وهو باطل ، لأن عنوان التجري ، كالناسي من حيث أن النسيان غير ملتفت إليه ، وكما أن الناسي لو التفت إلى نسيانه لزال نسيانه بلا إشكال فكذا التجري ، وإذا لم يكن ملتفتا إليه لم يكن اختياريا ، فيلزم ما ذكر.
قلت : مورد الاستحقاق هو حيثية الهتك والطغيان ، ولا ريب في كونهما