وثانيا : دعوى الوجدان في نفي الجعل مطلقا حتى إمضاء ، خلاف الوجدان ، بل في الكتاب والسنة تصريح بالجعل استقلالا في مثل الخلافة والإمامة والحجية ونحوها قال تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) ، وقال تعالى : (إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ) وغيرهما من الآيات المباركة.
وأما دعوى : أنه لغو فلا وجه لها أيضا ، لصحة ترتب الأثر الشرعي عليها من جريان الاستصحاب فيها ونحو ذلك ، وقد أجرى نفسه قدسسره الاستصحاب في جملة من الوضعيات ، كما لا يخفى على من راجع كتبه الفقهية.
ومن قائل بأنه لا جعل إلا للوضعيات. والتكليفيات منتزعة منها ، ونسب ذلك إلى الفاضل التوني قدسسره ، وهو ظاهر الخدشة ، كما لا يخفى.
ومن قائل بالتفصيل بأن منها ما تكون مجعولة استقلالا بأسبابها الخاصة ولو إمضاء ، كالملكية ، والزوجية ، والقضاوة والولاية ، والصحة واللزوم ، والحجية والطريقية ونحوها ، ولا وجه للانتزاع فيها بعد صحة الجعل فيها ابتداء.
ومنها : ما تكون منتزعة بحسب المتفاهم العرفي ، كالشرطية والمانعية والجزئية للمكلف به ، لأنها مجعولة بنفس تشريع المكلف به وجعله ، فإذا جعلت الصلاة المشتملة على الأجزاء والشرائط والموانع ، يكون جعل الصلاة جعلا لها بالعرض ، بلا احتياج إلى جعل مستقل بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط ، كما أن التكليف النفسي المتعلق بالمركب انحلالي انبساطي بالنسبة إلى الأجزاء والشرائط ، فكذا المقام.
ويرد عليه : أنه يمكن أن يكون الجعل الثانوي لها لغرض التأكيد والتبيين والاهتمام بها ، فلا يكون ذلك لغوا.
ومنها : ما لا تكون منتزعة عن التكليف ولا مجعولة ولو بالعرض ، كالسببية والشرطية لنفس التكليف. أما عدم صحة الانتزاع فلأن التكليف متأخر عنها لاقتضاء السببية والشرطية تقدمهما على المسبب والمشروط ، ولا يعقل