الأمر بغَسل البول كان للاستحباب ، والبعض الخالي من الاقتران لا بدّ حينئذ من حمله على الاستحباب كالمقترن ، إذ يبعد الحكم في بعض دون بعض ، وإذا لم تكن الأخبار صريحة فترجيح الناقل يتوقف على ذلك.
ويمكن أنّ يجاب عن هذا بأنّ إثبات عدم القائل بالفصل عسر ، بل هو من قبيل الإجماع الذي يدّعى من المتأخّرين ، هذا.
والعجب من بعض محقّقي المعاصرين سلّمه الله أنّه ذكر ترجيح الناقل على المقرّر في خبرين ، أحدهما دالّ على الأمر بغَسل الثوب من بول ما لا يؤكل لحمه ، والآخر دالّ على أنّ كل شيء يطير لا بأس بخرئه وبوله (١) ، والحال أنّه ذكر في مسألة أبوال الدواب أنّ أخبار النجاسة ربما حملت على الاستحباب لاعتضادها بالأصل وعمل الأكثر ، ثم قال : والمسألة محل توقف (٢).
والوجه في التعجب أنّ هذا المحل أولى بذكر المقرّر والناقل ؛ لأنّ أحد ذينك الخبرين رواية أبي بصير ، فليس الاعتناء به أولى من غيره ، ولا يبعد أنّ يكون عمل الأكثر كما ذكر مع الأصل مؤيداً قويّاً ، إلاّ أنّ الكلام في ثبوت الأكثرية ، وبالجملة فالمقام واسع الباب ، والله سبحانه الهادي إلى الصواب.
ثم إنّ ما تضمنه الأوّل من قوله : « ولكن ليس ممّا جعلها الله للأكل » لا يخلو من إجمال ، ولعلّ المراد أنّ المأكول الخالي بوله وروثه من الريب ما أعدّه الله للأكل ، بمعنى أنّ خلقه للأكل بالذات ، والاستعمال في غير الأكل بالعرض ؛ أمّا ما كان خلقه بالذات للاستعمال كالخيل والبغال والحمير ،
__________________
(١) الحبل المتين : ٩٦.
(٢) الحبل المتين : ٩٥.