والحق : أنّ الإجماع المنقول من مثل السيّد لا يبعد أنّ يكون خبراً مسنداً ، أمّا الإجماع المذكور في كلام العلاّمة ونحوه فهو خبر مرسل ؛ إذ العقل قاضٍ بالتعذّر بل الامتناع في زمان من ذكرناه ، فلا بد أنّ يكون منقولاً عن غيره ، فإذا لم يبيّن الناقل كان خبراً مرسلاً ، فليتأمّل.
وأمّا ثانياً : فالآية إنّ ثبت كون الرجس فيها هو النجس كان ما ذكره أوّلاً حقاً ، وإلاّ فهو محلّ تأمّل ، لما يستفاد من كلام أهل اللغة أنّ له معاني (١). على أنّه وقع في الآية خبراً عن الجميع بتقدير مضاف ، أي تعاطي الخمر والميسر على احتمال ، وعليه لا يستقيم إرادة النجس. واحتمال كونه خبراً عن الخمر ، وخبر المعطوفات محذوف ؛ يشكل بأن المحذوف ينبغي اتحاده معنىً مع المذكور ليكون دالاًّ عليه. وقد ينظر في هذا بأنّ الظاهر من كلام أهل العربية عدم الاشتراط ، ويحتمل ما أشرنا إليه من النقل سابقاً.
وفي بعض كلام أهل اللغة : أنّ الرجس المأثم ، أو العمل المستقذر الذي تعاف عنه العقول (٢) ، كما قاله بعض المفسرين (٣). ومع الاحتمالات لا يتم الاستدلال بالآية ، ويمكن تكلّف الجواب عن البعض ، إلاّ أن الضرورة غير داعية ، فإنّ سلوك سبيل الاحتياط أولى.
وأمّا ثالثاً : فالاستدلال بقوله ( فَاجْتَنِبُوهُ ) موقوف على تحقيق مرجع الضمير ، فقيل : إنّه راجع إلى المضاف المحذوف ، أي التعاطي وما
__________________
(١) منهم الجوهري في الصحاح ٣ : ٩٣٣ ، والفيروزآبادي في القاموس المحيط ٢ : ٢٢٦ ، وابن منظور في لسان العرب ٦ : ٩٤.
(٢) كالفيروزآبادي في القاموس المحيط ٢ : ٢٢٧.
(٣) تفسير أبي السعود ٣ : ٧٥ ، وتفسير البيضاوي ٢ : ١٦٧.