والحكم أن يقول له : ألزمتك ذلك ، أو قضيت عليك به ، أو يقول : اخرج إليه منه ، فمتى قال إحدى الثلاث ، كان حكما بالحق.
وأمّا إن أنكر ، فقال : لا حقّ لك قبلي ، فهذا موضع البينة ، فإن كان المدعي لا يعرف انه موضع البيّنة ، كان للحاكم أن يقول له ألك بينة؟ فإن كان عارفا بأنّه وقت البينة ، فالحاكم بالخيار بين أن (١) يسكت ، أو يقول ألك بينة؟
فإذا قال له : ألك بيّنة؟ لم يخل من أحد أمرين ، إما أن لا يكون له بينة ، أو له بينة ، فإن لم يكن له بينة ، عرّفه الحاكم أنّ لك يمينه ، فإذا عرف ذلك ، لم يكن للحاكم ، أن يستحلفه بغير مسألة المدّعي ، لأنّ اليمين حقّ له ، فليس له أن يستوفيه إلا بمطالبته ، كنفس الحق فإن لم يسأله ، واستحلفه من غير مسألة ، لم يعتد باليمين ، لأنّه أتى بها في غير وقتها ، فإذا لم يعتد بها ، أعادها عليه بمسألة المدّعي ، فإذا عرض اليمين عليه ، لم يخل من أحد أمرين ، إمّا أن يحلف ، أو ينكل ، فإن حلف أسقط الدعوى ، وليس للمدّعي أن يستحلفه مرة أخرى ، في هذا المجلس ، أو في غيره ، فإن لم يحلف ونكل عن اليمين ، قال له الحاكم : إن حلفت ، وإلا جعلتك ناكلا ، ورددت اليمين على خصمك ، فيحلف ، ويستحق عليك.
ولا يجوز أن يحكم عليه بالحقّ بمجرد النكول ، بل لا بدّ من يمين المدعي ، ليقوم النكول واليمين مقام البينة ، وقد يشتبه هذا الموضع على كثير من أصحابنا ، فيظن أن بمجرّد النكول يثبت الحق ، وهذا خطأ محض.
فإن كانت له بينة ، امّا أن تكون حاضرة ، أو غائبة ، فإن كانت غائبة ، لم يقل له الحاكم أحضرها ، لأنّه لا حق له ، فله أن يفعل ما يرى ، فإذا حضرا لم يسألهما الحاكم عمّا عندهما ، حتى يسأله المدّعي ذلك ، لأنّه حقّ له ، فلا فإذا ثبت أنّه لا بدّ من سؤال المدّعي الاستماع منهما ، فإن الحاكم لا يقول يتصرف فيه بغير أمره.
__________________
(١) ج : بالخيار أن.