بمبلغ المبيع ، ثم تقابضا قبل التفرّق والانفصال من المجلس ، كان ذلك جائزا صحيحا ، وإن أراد الأوّل فذلك باطل ، بلا خلاف.
يدلك على ما قلناه ، ما قاله شيخنا رحمهالله في مبسوطة ، فإنّه قال : تصح الإقالة في جميع السلم ، وتصح في بعضه ، ولا فرق بينهما ، فإن أقاله في جميع السلم ، فقد برئ المسلم إليه من المسلم فيه ، ولزمه ردّ ما قبضه من رأس المال ، ان كان قائما بعينه ، وإن كان تالفا ، لزمه مثله ، فإن تراضيا يقبض بدله من جنس آخر مثل ان يأخذ دراهم بدل الدنانير ، أو الدنانير بدل الدراهم ، كان جائزا أو يأخذ عرضا آخر ، بدل الدراهم ، أو الدنانير ، كان جائزا ، فإن أخذ الدنانير بدل الدراهم ، أو الدراهم بدل الدنانير ، وجب ان يقبضها في المجلس ، قبل ان يفارقه ، لان ذلك صرف وإن أخذ عرضا آخر ، جاز أن يفارقه قبل القبض ، لأنّه بيع عرض معين بثمن في الذمة ، هذا آخر كلامه رحمهالله في مبسوطة (١).
وقال شيخنا أيضا في نهايته : وإذا أخذ إنسان من غيره دراهم ، فأعطاه الدنانير ، أكثر من قيمة الدراهم ، أو أخذ منه الدنانير ، وأعطاه الدراهم ، مثل ماله ، أو أكثر من ذلك ، وساعره على ثمنه ، كان ذلك جائزا ، وإن لم يوازنه ويناقده في الحال ، لأنّ ذلك في حكم الوزن والنقد ، ولا يجوز ذلك إذا كان ما يعطيه أقل من ماله فإن أعطاه أقل من ماله ، وساعره ، مضى البيع في المقدار الذي أعطاه ، ولم يمض فيما هو أكثر منه ، والأحوط في ذلك أن يوازنه ويناقده في الحال ، أو يجدّد العقد في حال ما ينتقد ويتزن (٢).
وهذا يبيّن لك ، انّ مراده رحمهالله ، في المسألة الأولة ، أنّه ما فارقه من المجلس ، إلا بعد أن تقابضا ، كما أنّ هاهنا ، قال : « وساعره على ثمنه كان ذلك جائزا وإن لم يوازنه ويناقده في الحال ، لأنّ ذلك في حكم الوزن والنقد » يريد
__________________
(١) المبسوط : ج ٢ ، كتاب السلم ، أحكام الإقالة ، ص ١٨٧.
(٢) النهاية : كتاب التجارة ، باب الصرف واحكامه.