اختار كان له ذلك ، لأنّ التدبير والهبة ، له أن يرجع فيهما ، وليس كذلك العتق ، لأنّه لا يجوز له الرجوع فيه ، على حال ، هكذا ذكره شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).
والذي تقتضيه أصول المذهب ، أن المشتري إذا تصرّف في المبيع ، فإنّه لا يجوز له ردّه بعد ذلك ، وله الأرش ، ولا خلاف أنّ التدبير والهبة تصرّف ، وقوله رحمهالله : « لأنّ التدبير والهبة له أن يرجع فيهما » ليس كلّ تدبير ولا كل هبة له الرجوع فيهما ، بل التدبير على ضربين ، تدبير عن نذر ، فلا يجوز له الرجوع فيه ، على حال ، وهبة لولده الأصغر ، أو لولده الأكبر ، بعد قبضه إيّاها ، أو هبة الأجنبي بعد القبض ، والتصرّف فيها ، أو التعويض عنها ، فلا يجوز الرجوع فيها على حال ، بغير خلاف ، فإطلاق قوله رحمهالله ما يستقيم له.
وأيضا فالراهن ، لا يجوز له تدبير عبده المرهون ، لأنّه ممنوع من التصرف في الرهن ، وكان يلزم على ما اعتل به شيخنا أبو جعفر ، من أن للمدبر أن يرجع في التدبير ، وللواهب أن يرجع في الهبة ، وانّ المشتري إذا باع الجارية ، وجعل لنفسه الخيار شهرا مثلا ، أو أكثر من ذلك وقبضها المشتري ، وتسلمها ، وصارت عنده ، أن يردّها البائع الثاني ، على البائع الأوّل ، لأنّ له أن يرجع في هذا المبيع ، على قود الاعتلال الذي اعتل به شيخنا ، وهذا لا يقوله أحد منا بغير خلاف ، ولا يتجاسر عليه أحد من الأمة.
وأيضا فلم يرد بذلك نصّ عن الأئمة عليهمالسلام ، لا متواترا ولا آحادا ، فبأيّ شيء يتمسّك في ذلك ، وكتابه تهذيب الأحكام ، ما أودعه شيئا من ذلك ، ولا أورد فيه خبرا بذلك ، وليس له أكبر منه في الأخبار ، وانّما حكاه على ما وجده في المقنعة (٢) وتردّ الشاة المصراة ، وهي التي جمع بائعها في ضرعها اللبن ، يومين وأكثر من ذلك ، ولم يحلبها ، ليدلسها به على المشتري ، فيظن إذا رأى
__________________
(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب العيوب الموجبة للردّ.
(٢) المقنعة : باب المتاجر ، باب العيوب الموجبة للرد ص ٥٩٨.