ولا يميّزها للعين ، حتى يصفها فإن وصفها ، كان كاذبا جاهلا ، لأنّ عينها ما تميزت له في ملكه ، وإن كان مالكا لجنسها ، دون عينها قبل قبضها من الذي هي في ذمّته ، فيدخل في النهي عن بيع الغرر ، والنهي يدلّ على فساد المنهي عنه ، فلأجل هذا جوّزنا بيعها على من هي عليه ، دون من سواه ، وليس كذلك إذا ضاربه بها ، لأنّ مال المضاربة يحتاج أن يكون متميز العين في ملك رب المال ، وقبل قبضه ممن هو في ذمته ، ليس هو متميز العين ، فافترق الأمران ، ويعضد ما أصلناه ، قولهم في باب بيع الديون والأرزاق : ومن كان له على غيره دين ، جاز له بيعه نقدا ، ويكره ذلك نسية ، وأطلقوا القول بكراهية النسية ، وهذا لا يجوز بالإجماع ، لأنّه إن كان الدين ذهبا ، فلا يحل بيعه بذهب نسية ، بغير خلاف ، ثم قالوا فإن وفي الذي عليه الدين المشتري ، وإلا رجع على من باعه إيّاه بدركه ، ثم قالوا : وإذا باع الدين بأقل ممّا له على المدين ، لم يلزم المدين أن يؤدّي أكثر مما وزنه المشتري.
قال محمّد بن إدريس ، مصنف هذا الكتاب : إن كان البيع للدين صحيحا ماضيا ، لزم المدين أن يؤدّي جميع الدين إلى المشتري ، وإن كان قد اشتراه بأقل من الدين بأقل قليل ، لأنّ الثمن قد يكون عندنا أقل قيمة من السلعة ، مع علم البائع بغير خلاف ، فدلّ هذا أجمع على فساد هذا البيع ، وإبطال ما (١) خالف ما ذكرناه.
قال شيخنا أبو جعفر في الجزء الرابع من المبسوط : إذا كان لرجل في ذمّة رجل حرّ ، دين ، عن غير سلم ، فباعه من إنسان بعوض ، أو ثوب ، أو غيره ، قال قوم : إنّه يصح ، لأنّه لمّا جاز أن يبتاع بدين في ذمته ، جاز أن يبتاع بدين له في ذمة غيره ، فإن كلّ واحد من الدينين مملوك له ، وقال اخرون : إنّه لا يصحّ ، لأنّ الدين الذي له في ذمة الغير ، ليس بمقدور على تسليمه ، فإنّه ربما منعه من هو عليه وربما جحده ، وربما أفلس ، ومن ابتاع ما لا يقدر على تسليمه بطل بيعه ، كما لو
__________________
(١) ل : وإبطال قول من خالف ما ذكرناه.