بل قد ادّعى عليه الخصم ، أنّ له عنده وفي ذمّته دينا ، وجحد المدّعى عليه ذلك ، ولم يكن مع المدّعي بيّنة بصحّة دعواه ، فالقول قول المدّعى عليه مع يمينه ، فأمّا لو ادّعى عليه أنّ له عليه كذا ، ثمّ صدّقه على دعواه ، وقال بعد ذلك : إنّه وديعة ، لم يقبل دعواه بعد إقراره وتصديقه ، لأنّ حرف « على » حرف وجوب والتزام ، وحرف « عند » ليس بالتزام ، بل قد يكون له عنده وديعة ، فلا يلزم بالمحتمل ، لأنّ الأصل براءة الذمة ، وما أورده شيخنا في نهايته (١) ، يحتمل أنّ المدّعى عليه صدق المدّعي بأنّ الدراهم دين ، ووافقه على لفظ دعواه ، وجميع قوله ، فيلزمه حينئذ الخروج إليه منه.
ومن كان عنده رهن ، فمات صاحبه ، وخاف إن أقرّ به ، طولب بذلك ، ولم يقبل قوله في كونه رهنا ، ولم يعط ماله الذي عليه ، جاز له أن يأخذ منه بمقدار ما عليه (٢) ، ويرد الباقي على ورثته ، فإن لم يفعل ، وأقرّ أنّه عنده رهن ، كان عليه البيّنة أنّه رهن ، فإن لم يكن معه بيّنة ، كان على الورثة اليمين ، أنّهم لا يعلمون أنّ له عليه شيئا ، ووجب عليه ردّ الشيء الذي يدّعيه رهنا إلى الورثة.
لا يجوز أخذ الرهن من العاقلة على الدية ، إلا بعد حئول الحول ، فأمّا قبله فلا يجوز ، وعندنا تستأدى منهم في ثلاث سنين ، وأمّا بعد حئول الحول ، فإنّه يجوز ، لأنّه يثبت قسط منها في ذمتهم.
فأمّا الجعالة فلا يجوز أخذ الرهن فيها إلا بعد الرد.
وإذا استأجر رجلا إجارة متعلقة بعينه ، مثل أن يستأجره ليخدمه ، أو ليتولى له عملا من الأعمال بنفسه ، لم يجز أخذ الرهن عليه ، لأنّ الرهن انّما يجوز على حقّ ثابت في ذمّته ، فهذا غير ثابت في ذمة الأجير ، وانّما هو متعلّق بعينه ، ولا يقوم عمل غيره مقام فعله.
__________________
(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب الوديعة والعارية.
(٢) ق : ما له عليه.