وإذا اختلف نفسان في مال ، فقال الذي عنده المال : إنّه وديعة ، وقال الآخر : إنّه دين عليك ، كان القول قول صاحب المال ، وعلى الذي عنده المال ، البيّنة أنّه وديعة ، فإن لم يكن له بيّنة ، وجب عليه ردّ المال فإن هلك كان ضامنا ، فإن طالب صاحب المال باليمين أنّه لم يودّعه ذلك المال ، كان له ذلك ، وقد قدّمنا ذلك فيما مضى ، وحرّرناه. هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته في باب الرهن (١) والوديعة (٢).
والوجه في الموضعين معا عندي ، أن يكون المدّعى عليه قد وافق المدّعى على صيرورة المال إليه ، وكونه في يده ، ثمّ بعد ذلك ادّعى أنّه وديعة لك عندي ، فلا يقبل قوله ، ويكون القول قول من ادّعى أنّه دين ، لأنّه قد أقرّ بأنّ الشيء في يده أولا ، وادّعى كونه وديعة ، والرسول عليهالسلام قال : « على اليد ما أخذت حتى تردّه » (٣) وهذا قد اعترف بالأخذ والقبض ، وادّعى الوديعة ، وهي تسقط الحق الذي أقرّ به لصاحب المال ، فلا يقبل قوله في ذلك ، فأمّا إذا لم يقر بقبض المال أولا ، بل ما صدّق المدّعي على دعواه ، بأنّ له عنده مالا دينا ، بل قال : لك وديعة عندي كذا وكذا ، فيكون حينئذ القول قوله مع يمينه ، لأنّه ما صدّقه على دعواه ، ولا أقرّ أولا بصيرورة المال إليه ، بل قال : لك عندي وديعة ، فليس الإقرار بالوديعة ، إقرارا بالتزام شيء في الذمة ، فليلحظ ذلك ، ففيه غموض.
ومتى تصرّف المودع في الوديعة ، كان متعدّيا ، وضمن المال ، فإن ردّها ، أو ردّ مثلها إلى المكان من غير علم من صاحبها ، لم تبرأ بذلك ذمته ، وكان ضامنا كما كان ، إلا أن يردّها على صاحبها ، ويجعلها عنده وديعة من رأس ، على ما أسلفناه فيما مضى.
__________________
(١) النهاية : كتاب التجارة ، باب الرهون وأحكامها.
(٢) النهاية : كتاب التجارة ، باب الوديعة والعارية.
(٣) مستدرك الوسائل : الباب ١ من أبواب الغصب ، ح ٤ و ٥.