واختار شيخنا أبو جعفر ، في مبسوطة ، القول الأوّل ، واحتج بأن قال : وإنّما قلنا ذلك ، لأنّ ما بعد المدّة غير مأذون له في إمساكها. ومن أمسك شيئا بغير إذن صاحبه ، وأمكنه الرد ، فلم يردّ ، ضمن ، ثمّ قال : وفي الناس من قال لا يضمن ، ولا يجب عليه الرد ، وأكثر ما يلزمه أن يرفع يده عن البهيمة ، إذا أراد صاحبها أن يسترجعها ، لأنّها أمانة في يده ، فلم يجب عليه ردّها مثل الوديعة (١).
وهذا الذي اخترناه ، وهو الصحيح ، فأمّا ما تمسك به شيخنا أبو جعفر رحمهالله في نصرة ما ذهب إليه واختاره ، بما ذكره فبعيد ، ويعارض بالرهن ، إذا قضى الراهن الدين ، ولم يطالب بردّ الرهن ، وهلك ، فلا خلاف أنّ المرتهن لا يكون ضامنا ، وإن كان قال للمرتهن : أمسك هذا الرهن إلى أن أسلّم إليك حقّك ، فقد أذن له في إمساكه هذه المدة ، ولم يأذن فيما بعدها نطقا ، بل بقي على أمانته على ما كان أولا فكذلك في مسألتنا.
ولا يجوز إجارة الأرض للزراعة ببعض ما يخرج منها ، لأنّ ذلك غرر.
قد قلنا : إنّه إذا اختلف المكتري والمكري في قدر الأجرة ، فالقول قول المكتري مع يمينه ، فأمّا قدر الانتفاع والمدة فالقول قول المكري مع يمينه ، لأنّه المدّعي عليه ، بخلاف الأجرة ، لأن في الأجرة يكون مدعيا ، فيحتاج الى بيّنة ، والمكتري يكون مدّعى عليه ، فالقول قوله مع يمينه.
ذكر شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه ، مسألة فقال : إذا استأجره ليخيط له ثوبا بعينه ، فقال : إن خطته اليوم فلك درهم ، وإن خطته غدا فلك نصف درهم ، صحّ العقد فيهما ، فإن خاطه في اليوم الأوّل ، كان له الدرهم ، وإن خاطه في الغد كان له نصف درهم (٢) ، وقال أيضا رحمهالله مسألة : إذا استأجره لخياطة ثوب ، وقال : إن خطته روميا ـ وهو الذي يكون بدر زين ـ فلك درهم ،
__________________
(١) المبسوط : ج ٣ ، كتاب الإجارات ، ص ٢٤٩.
(٢) الخلاف : كتاب الإجارة ، المسألة ٣٩ و ٤٠.