فأمّا قوله : « وفي أخبارهم ما يجري مثل هذه المسألة بعينها منصوصة » فمذهبنا ترك القياس ، هذا لو كانت المسألة المنصوصة مجمعا عليها ، فكيف وهذا خبر من أخبار الآحاد ، وقد قلنا ما عندنا فيه فيما مضى ، فلا وجه لا عادته.
إذا استؤجر على الكتابة والنسخ ، فانّ المداد والأقلام على الناسخ ، لأنّه استؤجر على تحصيل هذا العمل ، ولا يصحّ له هذا العمل إلا بالقلم والمداد ، وكذلك من استؤجر على خياطة ثوب ، فانّ الخيوط تجب على الخياط ، لأنّ هذا العمل لا يمكن تحصيله إلا بالخيوط والإبرة ، وكذلك من استؤجر على نساجة ثوب ، فانّ الحشو على الحائك ، لمثل ما قدّمناه ، وكذلك الغسال عليه الصابون والأشنان ، أو ما يزيل الوسخ ، ويبيض الثوب.
وقال شيخنا أبو جعفر في مسائل خلافه : يجوز إجارة الدراهم والدنانير (١).
قال محمّد بن إدريس : وهذا غير واضح ، لأنّه بلا خلاف بيننا لا يجوز وقف الدراهم والدنانير ، لأنّ الوقف لا يصح إلا في الأعيان التي يصحّ الانتفاع بها ، مع بقاء أعيانها ، على ما نبيّنه في كتاب الوقوف إن شاء الله ، فإذا جاز عنده رضياللهعنه إجارتها جاز وقفها ، وهو لا يجوّزه ، وأيضا كان يلزم من هذا أنّ من غصب رجلا مائة دينار ، وبقيت في يد الغاصب سنة ، ثمّ ردّها على المغصوب منه ، أن يلزمه الحاكم باجرتها مدّة السنة ، لأنّ المنافع عندنا تضمن بالغصب ، وهذا لا يقوله أحد منّا ، ولا من الأمة.
وقال رضياللهعنه في مسائل خلافه ، أيضا : لا يجوز إجارة حائط مزوّق ، أو محكم للنظر إليه ، والتفرّج به ، والتعلّم منه (٢).
قال محمّد بن إدريس : وينبغي أن يقال : إذا كان فيه غرض ، وهو التعلم من البناء المحكم ، تجوز الإجارة كما يجوز إجارة كتاب فيه خط جيد ، للتعلّم منه ، لأنّ فيه غرضا صحيحا ، ولأنّه لا مانع يمنع منه.
__________________
(١) الخلاف : كتاب الإجارة ، المسألة ٤١.
(٢) الخلاف : كتاب الإجارة ، المسألة ٢٤.