وفي هذا القول ما فيه.
والذي يدلّ على صحّة ما ذهب إليه الشيعة ، قوله تعالى ( الطَّلاقُ مَرَّتانِ ) (١) ومن المعلوم أنّه تعالى لم يرد بذلك الخبر ، لأنّه لو أراده لكان كذبا ، وانّما أراد الأمر ، فكأنّه قال تعالى : طلّقوا مرتين ، وجرى مجرى قوله تعالى : ( وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ ) (٢) وكقوله تعالى ( وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً ) (٣) والمراد بذلك يجب أن يؤمنوه ، والمرّتان لا تكونان إلا واحدة بعد اخرى ، ومن جمع الطلاق في كلمة واحدة ، لا يكون مطلّقا مرتين ، كما أنّ من أعطى درهمين مرة واحدة ، لم يعطهما مرتين.
فإن احتج من يذهب إلى أنّ الطلاق الثلاث يقع وإن كان بدعة بما روي في حديث ابن عمر من أنّه قال للنبيّ عليهالسلام : أرأيت لو طلّقتها ثلاثا ، فقال عليهالسلام : إذن عصيت ربّك ، وبانت منك امرأتك (٤).
فالذي يبطل ذلك أنّه لا تصريح في قوله : « أرأيت لو طلّقتها ثلاثا » فاني كنت أفعل ذلك بكلمة واحدة ، وحالة واحدة ، ويجوز أن يكون مراده انّي لو طلّقتها ثلاثا في ثلاثة أطهار ، تخللها المراجعة ، ولا شبهة في أنّ من طلّق امرأته
__________________
(١) البقرة : ٢٢٩.
(٢) البقرة : ٢٢٨.
(٣) آل عمران : ٩٧.
(٤) سنن النسائي : كتاب الطلاق ، باب الرجعة ، وفيه : « كان ابن عمر إذا سئل عن الرجل طلّق امرأته وهي حائض ، فيقول : إمّا ان طلّقها واحدة أو اثنتين ، فان رسول الله صلىاللهعليهوآله أمره أن يراجعها ثمّ يمسكها حتى تحيض حيضة أخرى ثمّ تطهر ثمّ يطلّقها قبل أن يمسّها ، وامّا أن طلّقها ثلاثا فقد عصيت الله في ما أمرك به من طلاق امرأتك وبانت منك امرأتك ». وأورد مثله في صحيح مسلم ، كتاب الطلاق في ذيل ص ٣٤٠ عن ابن عباس ، وفي سنن البيهقي : كتاب الخلع والطلاق ، باب الاختيار للزوج ، أن لا يطلق إلا واحدة ، في حديث عطاء الخراساني ، عن الحسن قال : حدثنا عبد الله بن عمر .. إلى أن قال : « فقلت : يا رسول الله أفرأيت لو أني طلّقتها ثلاثا كان يحلّ لي أن أراجعها ، قال : كانت تبين منك وتكون معصية » ج ٧ ، ص ٣٣٠ وأورده في التاج : ج ٢ ، كتاب النكاح والطلاق والعدة.