ثمّ ربّع بتخويفه سوء عاقبته وما يجرّ إليه من التبعة ، ولم يخل ذلك من حسن الأدب ، حيث لم يصرّح بأنّ العقاب لاحق له ، وأنّ العذاب لاصق به ، ولكنّه قال : (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) لإصرارك على الكفر. وذكر الخوف والمسّ وتنكير العذاب للمجاهلة. (فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا) ثابتا في موالاته ، قرينا في اللعن والعذاب ، تليه ويليك. وهو أكبر من العذاب ، كما أنّ رضوان الله أكبر من الثواب.
(قالَ أَراغِبٌ) أمعرض (أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي) عن عبادتها (يا إِبْراهِيمُ) قابل استعطافه ولطفه في الإرشاد بالفظاظة وغلظة العناد ، فناداه باسمه ، ولم يقابل «يا أبت» بـ «يا بنيّ». وأخّره وقدّم الخبر على المبتدأ ، وصدّره بالهمزة ، لإنكار نفس الرغبة على ضرب من التعجّب ، كأنّها ممّا لا يرغب عنها عاقل.
ثمّ هدّده بقوله : (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ) عن مقالتك فيها ، أو الرغبة عنها (لَأَرْجُمَنَّكَ) لأرمينّك بلساني ـ يعني : الشتم والذمّ ـ أو بالحجارة حتّى تموت أو تبعد منّي (وَاهْجُرْنِي) عطف على ما دلّ عليه «لأرجمنّك» أي : فاحذرني واهجرني ، لأنّ «لأرجمنّك» تهديد وتقريع (مَلِيًّا) زمانا طويلا من الملاوة. أو مليّا بالذهاب عنّي والهجران قبل أن أثخنك بالضرب ، حتّى لا تقدر أن تبرح. من قولهم : فلان مليّ بهذا الأمر إذا كان كاملا فيه مضطلعا به.
(قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ) سلام توديع ومتاركة ومباعدة منه ، كقوله تعالى : (لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ) (١). وقوله : (وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً) (٢). أو سلام إكرام ومقابلة للسيّئة بالحسنة ، أي : لا أصيبك بمكروه ، ولا أقول لك بعد ما يؤذيك. ويجوز أن يكون دعا له بالسلامة استمالة له ، ألا ترى أنّه وعده الاستغفار وقال : (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) سأطلب لك التوفيق للإيمان ، فإنّ
__________________
(١) القصص : ٥٥.
(٢) الفرقان : ٦٣.