إذا اشتهى ثمرة فركزها ، وكانت تقيه الهوامّ ، وتحدّثه وتؤنسه ، علم أنّ ذلك آيات باهرة ومعجزات قاهرة ، أحدثها الله تعالى فيها لأجله ، وليست من خواصّها. فذكر قبل ظهور هذه الأمور العجيبة منها حقيقتها ومنافعها مفصّلا ومجملا ، على معنى أنّها من جنس العصا ، تنفع منافع أمثالها ، ليطابق جوابه الغرض الّذي فهمه من كلام ربّه.
وفي الكشّاف : «يجوز أن يريد عزوجل أن يعدّد المرافق الكثيرة الّتي علّقها بالعصا ، ويستكثرها ويستعظمها ، ثمّ يريه على عقب ذلك الآية العظيمة. كأنّه يقول له : أين أنت عن هذه المنفعة العظمى والمأربة الكبرى ، المنسيّة عندها كلّ منفعة ومأربة كنت تعتدّ بها وتحتفل بشأنها؟ ونظير ذلك أن يريك الزرّاد (١) زبرة من حديد ويقول لك : ما هي؟
فتقول : زبرة حديد. ثمّ يريك بعد أيّام لبوسا مسردا فيقول لك : هي تلك الزبرة صيّرتها إلى ما ترى من عجيب الصنعة وأنيق السرد» (٢).
وقيل : إنّما سأله ليبسط منه ويقلّل هيبته.
وقيل : إنّما أجمل موسى ليسأله عن تلك المآرب فيزيد في إكرامه.
وقيل : انقطع لسانه بالهيبة فأجمل.
(قالَ أَلْقِها يا مُوسى فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) تمشي بسرعة وخفّة حركة.
روي أنّه لمّا ألقاها انقلبت حيّة صفراء بغلظ العصا ، ثمّ تورّمت وعظمت. فلذلك سمّاه جانّا تارة نظرا إلى المبدأ ، وثعبانا مرّة باعتبار المنتهى ، وحيّة اخرى باعتبار الاسم الّذي يعمّ الحالين.
وقيل : كانت في ضخامة الثعبان وجلادة الجانّ ، ولذلك قال : كأنّها جانّ.
قيل : كان لها عرف كعرف الفرس. وكان بين لحييها أربعون ذراعا.
وعن ابن عبّاس : انقلبت ثعبانا ذكرا يبتلع الصخر والشجر ، فلمّا رآها حيّة تسرع
__________________
(١) الزرّاد : صانع الزرد ، وهو الدرع. والسرد : الدرع.
(٢) الكشّاف ٣ : ٥٧.