و «من آياتنا» حال منها.
(اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ) بهاتين الآيتين وادعه إلى عبادتي (إِنَّهُ طَغى) عصى وتكبّر في كفره.
ولمّا أمره بالذهاب إلى فرعون الطاغي ، عرف أنّه كلّف أمرا عظيما وخطبا جسيما ، يحتاج معه إلى احتمال ما لا يحتمله إلّا ذو قلب قويّ وصدر فسيح ، فسأل ربّه أن يشرح صدره حتّى لا يضجر ولا يغتمّ ، ويستقبل الشدائد بجميل الصبر ، وأن يسهّل عليه أمره الّذي هو خلافة الله في أرضه ، وما يصحبها من مقاساة الخطوب الجليلة. (قالَ رَبِّ اشْرَحْ) أي : وسّع (لِي صَدْرِي) حتّى لا أضجر ، ولا أخاف ، ولا أغتمّ.
(وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي) وسهّل عليّ أداء ما كلّفتني من الرسالة ، والدخول على الطاغي ، ودعائه إلى الحقّ. وفائدة «لي» إبهام المشروح والميسّر أوّلا ، ثمّ رفعه بذكر الصدر والأمر تأكيدا ومبالغة ، لأنّه تكرير للمعنى الواحد من طريقي الإجمال والتفصيل.
(وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) فإنّما يحسن التبليغ من البليغ. وكان في لسانه رتّة (١) من جمرة أدخلها فاه. وذلك إنّ فرعون حمله يوما فأخذ بلحيته ونتفها ، فغضب وأمر بقتله. فقالت آسية : إنّه صبيّ لا يفرّق بين الجمرة والدرّة. فأمر فرعون حتّى أحضرهما بين يديه. فأراد موسى أن يأخذ الدرّة ، فصرف جبرئيل يده إلى الجمرة ، فأخذها ووضعها في فيه فاحترق لسانه.
وقيل : احترقت يده ، واجتهد فرعون في علاجها فلم تبرأ. ثمّ لمّا دعاه قال : إلى أيّ ربّ تدعوني؟ قال : إلى الّذي أبرأ يدي وقد عجزت عنه.
واختلف في زوال العقدة بكمالها. فمن قال به تمسّك بقوله : (قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) (٢). ومن لم يقل احتجّ بقوله : (هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) (٣) وقوله :
__________________
(١) الرتة : العجمة والحكلة في اللسان. يقال : تكلم كلام الحكل ، أي : كلاما لا يفهم.
(٢) طه : ٣٦.
(٣) القصص : ٣٤.