وفيه : أنّ النظر غير الممدود معفوّ عنه ، وذلك مثل نظر من باده (١) الشيء بالنظر ثمّ غضّ الطرف ، ومنه : النظرة الأولى لك لا الثانية. ولمّا كان النظر إلى الزخارف كالمركوز في الطباع ، وأن من أبصر منها شيئا أحبّ أن يمدّ إليه نظره ويملأ منه عينيه ، قيل : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) أي : لا تفعل ما كان من عادة الطبيعة ومقتضاها.
(أَزْواجاً مِنْهُمْ) أصنافا من الكفرة. ويجوز أن يكون حالا من الضمير في «به» ، والمفعول «منهم». كأنّه قيل : إلى الّذي متّعنا به. وهو أصناف بعضهم ، أو ناسا منهم.
(زَهْرَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا) منصوب بالذمّ ، وهو من أنواع النصب على الاختصاص.
أو بالبدل من محلّ به ، أو من أزواجا ، بتقدير مضاف ، أي : ذوي زهرة. أو مفعول ثان لـ «متّعنا» على تضمين معنى : أعطينا وخوّلنا. وهي الزينة والبهجة.
وقرأ يعقوب بفتح الهاء. وهي لغة ، كالجهرة والجهرة. أو جمع زاهر ، وصفا لهم بأنّهم زاهر وهذه الدنيا ، لتنعّمهم ، وبهاء زيّهم ، وصفاء ألوانهم ، وتهلّل (٢) وجوههم ، وطراوة نظرهم ممّا يلهون ويتنعّمون ، بخلاف ما عليه المؤمنون الزهّاد.
ولقد شدّد العلماء من أهل التقوى والزهّاد في وجوب غضّ البصر عن أبنية الظلمة ، وعدد الفسقة في اللباس والمراكب وغير ذلك ، لأنّهم إنّما اتّخذوا هذه الأشياء لعيون النظّارة ، فالناظر إليها محصّل لغرضهم ، وكالمغري لهم على اتّخاذها.
(لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) لنبلوهم ونختبرهم فيه ، أي : لنعاملهم معاملة المختبر ، بشدّة التعبّد في أداء الحقوق ، وصرفه في مصرفه المأمور به.
وقيل : معناه : لنشدّد عليهم التعبّد ، بأن نكلّفهم متابعتك والطاعة لك ، مع كثرة أموالهم وقلّة مالك ، فيستوجبوا العذاب الأليم عند تمرّدهم واستكبارهم.
وقيل : معنى الفتنة : العذاب ، أي : لنعذّبهم في الآخرة بسببه ، لأنّ الله قد يوسّع
__________________
(١) باده الشيء : بغته وفاجأه.
(٢) تهلّل وجه فلان : تلألأ من السرور.