حضيض شقاوة الكفر (فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ) فإنّ الأهواء المردية توزّع أفكاره. وقرأ نافع وحده : فتخطّفه ، بفتح الخاء وتشديد الطاء. أصله : تختطفه. (أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ) تسقطه (فِي مَكانٍ سَحِيقٍ) بعيد مفرط في البعد ، فإنّ الشيطان قد طوّح (١) به في الضلالة البعيدة.
وهذا التشبيه يكون من التشبيهات المفردة ، لأنّه شبّه الإيمان في علوّه بالسماء ، والّذي ترك الإيمان وأشرك بالله بالساقط من السماء ، والأهواء الّتي تتوزّع أفكاره بالطير المختطفة ، والشيطان الّذي يطوّح به في وادي الضلالة بالريح الّتي تهوي بما عصفت به في بعض المهاوي المهلكة.
ويجوز أن يكون من التشبيهات المركّبة. فيكون المعنى : ومن أشرك بالله فقد أهلك نفسه إهلاكا يشبه بصورة حال من خرّ من السماء ، فاختطفته الطير ، فتفرّق مزعا (٢) في حواصلها ، أو عصفت به الريح حتّى هوت به في بعض المطاوح (٣) البعيدة.
و «أو» للتخيير ، كما في قوله : (أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّماءِ) (٤). أو للتنويع ، فإنّ من المشركين من لا خلاص له أصلا ، ومنهم من يمكن خلاصه بالتوبة ولكن على بعد.
(ذلِكَ) أي : الأمر ذلك الّذي ذكرناه (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ) معالم دين الله ، والأعلام الّتي نصبها لطاعته. وتعظيمها التزامها. وقيل : هي مناسك الحجّ كلّها. وعن ابن عبّاس ومجاهد : هي الهدايا ، لأنّها من معالم الحجّ. جمع شعيرة. وهي البدن إذا أشعرت ، أي : أعلمت عليها ، بأن يشقّ سنامها من الجانب الأيمن ليعلم أنّها هدي. وهذا هو المرويّ عن أبي جعفر عليهالسلام.
وذهب إليه الشافعي. وهو أوفق لظاهر ما بعده.
وتعظيمها أن يختارها عظام الأجرام حسانا سمانا غالية الأثمان ، ويترك
__________________
(١) طوّح : رمى وقذف. والمطاوح : المهالك. والواحدة : مطاحة.
(٢) في هامش النسخة الخطّية : «المزعة : قطعة من اللحم. منه» وجمعها : مزع ومزع.
(٣) طوّح : رمى وقذف. والمطاوح : المهالك. والواحدة : مطاحة.
(٤) البقرة : ١٩.