ما كانوا فيه من العذاب بين النفختين.
فصدّقهم الله في تقالهم (١) لسني لبثهم في الدنيا ، ووبّخهم على غفلتهم الّتي كانوا عليها ، فقال : (قالَ) أي : الله أو الملك. وقرأ الكوفيّون : قل (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً) لأنّ مكثكم في الدنيا أو في القبور وإن طال ، فإنّه متناه قليل بالإضافة إلى طول مكثكم في عذاب جهنّم (لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) صحّة ما أخبرناكم به. أو قصر أعماركم في الدنيا ، وطول مكثكم في الآخرة في العذاب ، لمّا اشتغلتم بالكفر والمعاصي ، وآثرتم الفاني على الباقي.
ثمّ وبّخهم على تغافلهم بقوله : (أَفَحَسِبْتُمْ) معاشر الجاحدين للبعث والنشور ، الظانّين دوام الدنيا (أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً) حال أو مفعول له ، أي : عابثين أو للعبث ، أي : لم يدعنا إلى خلقكم إلّا حكمة اقتضت ذلك ، وهي أن نتعبّدكم ونكلّفكم المشاقّ ، من الطاعات وترك المعاصي ، ثمّ نرجعكم من دار التكليف إلى دار الجزاء ، فنثيب المحسن ونعاقب المسيء. وهو كالدليل على البعث. ومثل ذلك قوله : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (٢).
(وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) معطوف على (أَنَّما خَلَقْناكُمْ) أو «عبثا». وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب بفتح التاء وكسر الجيم.
(فَتَعالَى اللهُ) عمّا يصفه به الجهّال من الشريك والولد والصاحبة. أو من أن يعمل عبثا. (الْمَلِكُ الْحَقُ) الّذي يحقّ له الملك مطلقا ، لأنّ ما عداه مملوك بالذات مالك بالعرض ، ومن وجه دون وجه ، وفي حال دون حال ، ولأنّ كلّ شيء منه وإليه. أو الثابت الّذي لا يزول هو بنفسه ، ولا يزول ملكه.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) فإنّ ما عداه عبيد له (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) الّذي يحيط بجميع
__________________
(١) تقالّ الشيء : عدّه قليلا.
(٢) الذاريات : ٥٦.