النصارى بها لم يكونوا قد بلغوا ـ إذ ذاك ـ من الحضارة والمدنية ما يجعلهم يترفعون عن مثل هذه المخازى.
ولكن ما ذا يقول هذا المعتذر فيما ترتكبه الدول المسيحية ، في البلاد الإسلامية التى وقعت تحت سلطانها ونفوذها في عصرنا الحاضر ، عصر الحضارة والمدنية ، عصر النور والعلم بماذا يدافع المدافعون عن أعمال فرنسا في الجزائر ، وهولندا في جاوة ، وأندونيسيا ، وإيطاليا في طرابلس ، والنمسا فى البوسنة والهرسك ، وغير هذا. وذاك مما يطول بنا القول ، إذا نحن حاولنا تفصيل وبيان ما ينطوى عليه ، مما يندى له وجه المدنية خجلا!.
إذن ، ليس الأمر أمر المدنية والحضارة ؛ وإنما هو أمر التعصب الممقوت ، الذى تضطرم به نفوس رجال الدين المسيحيين ، الذين لا يألون جهدا في التشنيع على المسلمين ، وتصويرهم لأممهم بصور بينها وبين الحقيقة بون شاسع.
وهل كانت الحروب الصليبية ، التى قامت في المشرق زهاء قرنين من الزمان ، إلا ثورة دينية ، أزكى لهيبها التعصب الممقوت ، وأثار كوامنها رجال الكنيسة ، وزعماء الدين من المسيحيين؟!!.
أليس بطرس الزاهد ، هو الذى طاف أوربا باكيا منتحبا ، وهو حافى القدمين ، يرتدى ثيابا خشنة ، ويحمل صليبا كبيرا ، يخطب العامة والدهماء ، ويلهب حماستهم ، ويثير روح الانتقام فيهم ويبعث فيهم عوامل الدفاع عن الأماكن المقدسة؟!.
أليس زوار الأماكن المقدسة ، من الأحبار والرهبان ، هم الذين كانوا يعودون إلى بلادهم ، فيروون أشنع القصص ، وأفظع الروايات عن أعمال المسلمين فيها ، وانتهاكهم لحرماتها المقدسة ، ويصورون الخطر الداهم الذى يهددهم من المشرق ، ويوشك أن يأتى على المسيحيين ويجتاحهم ، ويقضى على النصرانية ، وقد استطاعوا بذلك أن يجعلوا من أوربا المسيحية أتونا ملتهبا ، يتلظى غيظا وحنقا على الإسلام والمسلمين؟!.
وها هم اليوم جماعة الصهيونية ، يعيدون المأساة ، ويشعلون نار الحرب على المسلمين ، طامعين فى إقامة دولة يهودية ، على أنقاض المسلمين في فلسطين.
وها هم يدبرون المكايد للمسلمين ، وما ذاك إلا صورة واضحة لما يضمره اليهود للمسلمين فأين تلك الصور وهذه المعاملة ، من معاملة المسلمين لغير المسلمين ، وقت أن