وعنه ـ أيضا ـ البرد : النّوم ، والشراب : الماء (١).
قال الزجاج : لا يذوقون فيها برد ريح ، ولا برد نوم ، ولا برد ظلّ. فجعل البرد كل شيء له رائحة.
وقال الحسن وعطاء وابن زيد : بردا : أي روحا ورائحة (٢).
قوله : (إِلَّا حَمِيماً). يجوز أن يكون استثناء متّصلا من قوله : «شرابا» ، ويجوز أن يكون منقطعا.
قال الزمخشري : «يعني لا يذوقون فيها بردا ، ولا روحا ينفس عنهم حر النّار «ولا شرابا» يسكن من عطشهم ، ولكن يذوقون فيها حميما وغسّاقا».
قال شهاب الدين (٣) : «ومكي لمّا جعله منقطعا جعل البرد عبارة عن النوم ، قال : فإن جعلته النوم كان «إلا حميما» استثناء ليس من الأول».
وإنّما الذي حمل الزمخشري على الانقطاع مع صدق الشراب على الحميم والغسّاق ، وصفه له بقوله : «ولا شرابا يسكن من عطشهم» فبهذا القيد صار الحميم ليس من جنس هذا الشراب ؛ وإطلاق البرد على النوم لغة هذيل ، وأنشد البيت المتقدم.
وقول العرب : منع البرد البرد ، قيل : وسمي بذلك لأنه يقطع سورة العطش ، والذوق على هذين القولين مجاز ، أعني : كونه روحا ينفس عنهم الحر ، وكونه النوم مجاز ، وأمّا على قول من جعله اسما للشراب البارد المستلذّ كما تقدّم عن ابن عباس رضي الله عنهما وأنشد قول حسان رضي الله عنه : [الكامل]
٥٠٧٧ ـ يسقون من ورد البريص عليهم |
|
بردى تصفّق بالرّحيق السّلسل (٤) |
قال ابن الأثير : البريص : الماء القليل ، والبرص : الشيء القليل ؛ وقال الآخر : [الطويل]
٥٠٧٨ ـ أمانيّ من سعدى حسان كأنّما |
|
سقتك بها سعدى على ظمإ بردا (٥) |
والذوق حقيقة ، إلا أنه يصير فيه تكرار بقوله بعد ذلك «ولا شرابا».
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٩ / ١١٨).
(٢) ينظر المصدر السابق.
(٣) ينظر الدر المصون ٦ / ٤٦٥.
(٤) ينظر ديوانه ص ١٢٢ ، وجمهرة اللغة ص ٣١٢ ، وخزانة الأدب ٤ / ٣٨١ ، ٣٨٢ ، ٣٨٤ ، ١١ / ١٨٨ ، والدرر ٥ / ٣٨) ، وشرح المفصل ٣ / ٢٥ ، ولسان العرب (برد) ، و(برص) ، و(صفق) ، ومعجم ما استعجم ص ٢٤٠ ، وأمالي ابن الحاجب ١ / ٤٥١ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٢٤ ، وهمع الهوامع ٢ / ٥١ ، والطبري ٣ / ٦٧ ، ومجمع البيان ١٠ / ٦٩١ ، والبحر المحيط ٨ / ٤٠٥ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٥.
(٥) ينظر اللسان (سعد) ، (برد) ، والبحر ٨ / ٤٠٦ ، والدر المصون ٦ / ٤٦٥.