وعن ابن عبّاس والسديّ ومقاتل والكلبيّ في قوله تعالى : «فهدى» : عرف خلقه كيف يأتي الذكر الأنثى ، كما قال تعالى في سورة «طه» : (أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه: ٥٠] ، أي : الذكر للأنثى (١).
وقال عطاء : جعل لكل دابّة ما يصلحها ، وهداها له (٢).
وقيل : «قدّر فهدى» أي : قدّر لكل حيوان ما يصلحه ، فهداه إليه ، وعرفه وجه الانتفاع به ، يقال : إن الأفعى إذا أتت عليها ألف سنة عميت ، وقد ألهمها الله تعالى ، أن مسح العينين بورق الرازيانج الغض ، يرد إليها بصرها ، فربما كانت في بريّة بينها وبين الريف مسيرة أيام ، فتطوي تلك المسافة على طولها ، وعماها ، حتى تهجم في بعض البساتين على شجرة الرّازيانج ، لا تخطئها ، فتحك بها عينها ، فترجع باصرة بإذن الله تعالى.
[وهدايات الإنسان إلى أن مصالحه من أغذيته وأدويته ، وأمور دنياه ودينه وإلهامات البهائم والطيور ، وهوام الأرض باب ثابت واسع ، فسبحان ربي الأعلى](٣).
وقال السديّ : قدّر مدة الجنين في الرحم ، ثم هداه إلى الخروج من الرحم (٤).
وقال الفراء : «قدّى فهدى» أي : وأضل ، فاكتفى بذكر أحدهما ، كقوله : (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) [النحل : ٨١] ، ويحتمل أن يكون بمعنى «دعا» إلى الإيمان كقوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] أي لتدعو وقد دعا الكل إلى الإيمان](٥).
وقيل : «فهدى» أي : دلّهم بأفعاله على توحيده وكونه عالما قادرا.
واعلم أن الاستدلال بالخلق وبالهدى ، هي معتمد الأنبياء.
قال إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ : (الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ) [الشعراء : ٧٨].
وقال موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ لفرعون : (رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] ، وقال هنا ذلك ، وإنما خصت هذه الطريقة لوضوحها وكثرة عجائبها.
قوله : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى) ، أي : النبات ، لما ذكر سبحانه ما يختص بالناس ، أتبعه بما يختص بسائر الحيوان من النعم ، أي : هو القادر على إنبات العشب ، لا كالأصنام التي عبدتها الكفرة ، والمرعى : ما تخرجه الأرض من النبات ، والثمار ، والزروع ، والحشيش.
__________________
(١) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٢٥٢) عن السدي وذكره القرطبي (٢٠ / ١٢) ، عن ابن عباس والسدي ومقاتل والكلبي.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ١٢) ، عن عطاء.
(٣) سقط من : ب.
(٤) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ٢٥٢).
(٥) سقط من ب.