قال الفراء : «تلاها» : أخذ منها ، يذهب إلى أن القمر يأخذ من ضوء الشمس.
وقال الزجاج : «إذا تلاها» أي : حين استوى ، واستدار ، فكان مثلها في الضياء والنور.
وقال قتادة والكلبيّ : معناه : أن الشمس ، إذا قربت ، فالقمر يتبعها ليلة الهلال في الغروب (١).
وقيل : يتلوها في كبر الجرم ، بحسب الحسّ في ارتباط مصالح هذا العالم بحركته.
قوله : (وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها) ، الفاعل : ضمير النهار.
وقيل : عائد على الله تعالى ، والضمير المنصوب ، إمّا للشمس ، وإما للظّلمة ، وإما للأرض.
ومعنى «جلاها» أي : كشفها ، فمن قال : هي «الشمس» ، فالمعنى : أنه يبين بضوئه جرمها ، ومن قال : هي «الظلمة» ، فهي وإن لم يجر لها ذكر ، كقولك : أضحت باردة ، تريد: أضحت غداتنا باردة ، وهو قول الفراء والكلبي وغيرهما.
ومن قال : هي الدنيا والأرض ، وإن لم يجر لهما ذكر ، كقوله : (حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ) [ص : ٣٢].
قوله : «إذا تلاها» ، وما بعده فيه إشكال ؛ لأنه إن جعل شرطا اقتضى جوابا ، ولا جواب لفظا ، وتقديره غير صالح ، وإن جعل محضا استدعى عاملا وليس هنا عامل إلا فعل القسم حال ؛ لأنه إنشاء ، و «إذا» ظرف مستقبل ، والحال لا يعمل في المستقبل.
ويخص «إذا» وما بعدها إشكال آخر ذكره الزمخشري ، قال (٢) : فإن قلت : الأمر في نصب «إذا» معضل ؛ لأنك لا تخلو إمّا أن تجعل الواو عاطفة ، فتنصب بها وتجر ، فتقع في العطف على عاملين في نحو قولك : «مررت أمس بزيد واليوم عمرو» ، وإمّا أن تجعلهن للقسم ، فتقع فيما اتفق الخليل وسيبويه على استكراهه.
قلت : الجواب فيه : أن واو القسم مطرح معها إبراز الفعل اطراحا كليا ، فكان لها شأن خلاف شأن الباء ، حيث أبرز معها الفعل وأضمر ، فكانت الواو قائمة مقام الفعل ، والباء سادة مسدهما معا ، والواوات العواطف نوائب عن هذه الواو ، فحقهن أن يكنّ عوامل على الفعل ، والجار جميعا ، كما تقول : «ضرب زيد بكرا وعمرو خالدا» ، فترفع بالواو وتنصب لقيامها مقام «ضرب» الذي هو عاملهما انتهى.
وقال أبو حيّان (٣) : أما قوله في واوات العطف : «فتنصب وتجر» ، فليس هذا
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٠٠) عن ابن زيد.
(٢) الكشاف ٤ / ٧٥٨.
(٣) البحر المحيط ٨ / ٣٧٤.