فالجواب : وجه المناسبة أن تقول : قضاء الدين واجب ، والدين نوعان : مالي وإنعامي ، والإنعامي أقوى وجوبا لأن المال قد يسقط بالإبراء ، والإنعامي يتأكد بالإبراء ، والمالي يقضى مرة فينجو منه الإنسان ، والإنعامي يجب عليه قضاؤه طول عمره ، فإذا تعذر قضاء النعمة القليلة من منعم ، هو مملوك ، فكيف حال النعمة العظيمة من المنعم المالك ، فكان العبد يقول : إلهي أخرجتني من العدم ، إلى الوجود بشرا مستويا ، طاهر الظاهر نجس الباطن ، بشارة منك ، تستر عليّ ذنوبي بستر عفوك ، كما سترت نجاستي بالجلد الظاهر ، فكيف يمكنني قضاء نعمتك التي لا حصر لها ، فيقول تبارك وتعالى : الطريق إلى ذلك أن تفعل في حق [عبيدي ذلك ، وكنت عائلا ، فأغنيتك ، فافعل في حق](١) الأيتام ذلك ثم إذا فعلت كل ذلك ، فاعلم أنما فعلته بتوفيقي ، ولطفي ، وإرشادي ، فكن أبدا ذاكرا لهذه النعم.
قوله : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى ، أي : غافلا عما يراد بك من أمر النبوة فهداك أي : أرشدك ، والضلال هنا بمعنى الغفلة ، لقوله تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] أي: لا يغفل ، وقال في حق نبيه صلىاللهعليهوسلم : (وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ) [يوسف : ٣] وقيل : معنى قوله : «ضالّا» لم تكن تدري القرآن ، والشرائع ، فهداك الله إلى القرآن ، وشرائع الإسلام ، قاله الضحاك وشهر بن حوشب وغيرهما. قال تعالى : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] على ما تقدم في سورة الشورى.
وقال السديّ والكلبي والفراء : وجدك ضالّا ، أي : في قوم ضلال ، فهداهم الله بك ، أو فهداك إلى إرشادهم (٢).
وقيل : وجدك ضالا عن الهجرة ، فهداك وقيل : «ضالّا» ، أي : ناسيا شأن الاستثناء حين سئلت عن أصحاب الكهف ، وذي القرنين ، والروح ، فأذكرك ، لقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما) [البقرة : ٢٨٢].
وقيل : ووجدك طالبا للقبلة فهداك إليها ، لقوله تعالى : (قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ) [البقرة : ١٤٤] ، ويكون الضلال بمعنى الطلب ؛ لأن الضال طالب.
وقيل : وجدك ضائعا في قومك ، فهداك إليهم ، ويكون الضلال بمعنى الضياع.
وقيل : ووجدك محبا للهداية ، فهداك إليها ؛ ويكون الضلال بمعنى المحبة ومنه قوله تعالى : (قالُوا تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ) [يوسف : ٩٥] ، أي : في محبتك.
قال الشاعر : [الكامل]
٥٢٤١ ـ هذا الضّلال أشاب منّي المفرقا |
|
والعارضين ولم أكن متحقّقا |
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٦٥).