قال القرطبي (١) : الأقلام ثلاثة في الأصل.
الأول : الذي خلقه الله تعالى بيده ، وأمره أن يكتب.
والقلم الثاني : قلم الملائكة الذي يكتبون به المقادير ، والكوائن والأعمال.
والقلم الثالث : أقلام النّاس ، جعلها الله بأيديهم يكتبون بها كلامهم ، ويصلون بها مآربهم.
وروى عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تسكنوا نساءكم الغرف ولا تعلموهنّ الكتابة» (٢).
قال بعض العلماء : وإنّما حذّرهم النبي صلىاللهعليهوسلم لأن في إسكانهن الغرف تطلّعا على الرجال ، وليس في ذلك تحصّن لهن ولا تستّر ، وذلك لأنهن لا يملكن أنفسهن ، حتى يشرفن على الرجال ، فتحدث الفتنة والبلاء ، فحذرهم أن يجعلوا لهن غرفا ذريعة إلى الفتنة. وهو كما قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «ليس للنّساء خير لهنّ من ألّا يراهنّ الرّجال ، ولا يرون الرّجال» (٣).
وذلك أنها خلقت من الرجل فنهمتها في الرجل ، والرجل خلقت فيه الشّهوة ، وجعلت سكنا له ، فكل واحد منهما غير مأمون على صاحبه ، وكذلك تعليم الكتابة ، ربما كانت سببا في الفتنة ، لأنها إذا علمت الكتابة كتبت إلى من تهوى ؛ فالكتابة عين من العيون بها يبصر الشاهد الغائب ، والخط آثار يده ، وفيه تعبير عن الضمير بما لا ينطق به اللسان ، فهي أبلغ من اللسان ، فأحبّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يقطع عنهن أسباب الفتنة تحصينا لهنّ ، وطهارة لقلوبهن.
قوله تعالى : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ).
قيل : الإنسان هنا آدم ـ عليه الصلاة والسلام ـ علمه أسماء كل شيء ، وقال تعالى : (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها) [البقرة : ٣١].
وقيل : الإنسان ـ هنا ـ محمد صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) [النساء: ١١٣].
وقيل : عام ، لقوله تعالى : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)
__________________
(١) ينظر الجامع لأحكام القرآن (٢٠ / ٨٢).
(٢) ذكره المتقي الهندي (٤٤٩٩٩) ، وعزاه إلى الحكيم الترمذي عن ابن مسعود.
وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (١٤ / ٢٢٤) عن عائشة قال ابن عراق في «تنزيه الشريعة» : ولا يصح.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٠ / ٨٣).