بالتحديث ، ويجوز أن يكون المعنى : يومئذ تحدث بتحديث أن ربّك أوحى لها أخبارها على أن تحديثها بأن ربّك أوحى لها تحديث بأخبارها ، كما تقول : نصحتني كلّ نصيحة بأن نصحتني في الدين».
قال أبو حيان (١) : وهو كلام فيه عفش ، ينزه القرآن عنه.
قال شهاب الدين (٢) : وأي عفش فيه ، فصحته وفصاحته ، ولكنه لما طال تقديره من جهة إفادة هذا المعنى الحسن جعله عفشا وحاشاه.
ثم قال الزمخشري (٣) : «ويجوز أن يكون (بِأَنَّ رَبَّكَ) بدلا من «أخبارها» كأنه قيل : يومئذ تحدث بأخبارها بأن ربّك أوحى لها ، لأنك تقول : حدثته كذا ، وحدثته بكذا».
قال أبو حيّان (٤) : «وإذا كان الفعل تارة يتعدى بحرف جر ، وتارة يتعدى بنفسه ، وحرف الجر ليس بزائد ، فلا يجوز في تابعه إلّا الموافقة في الإعراب ، فلا يجوز : «استغفرت الذنب العظيم» بنصب «الذنب» وجر «العظيم» لجواز أنك تقول : «من الذنب» ، ولا «اخترت زيدا الرجال الكرام» بنصب «الرجال» وخفض «الكرام» ، وكذلك لا يجوز : «استغفرت من الذنب العظيم» بجر «الذنب» ونصب «العظيم» ، وكذلك في «اخترت» فلو كان حرف الجر زائدا جاز الإتباع على موضع الاسم ، بشروطه المحررة في علم النحو ، تقول : ما رأيت من رجل عاقلا ، لأن «من» زائدة ، ومن رجل عاقل على اللفظ ، ولا يجوز نصب «رجل» وجر «عاقل» على مراعاة جواز دخول «من» وإن ورد شيء من ذلك ، فبابه الشعر». انتهى.
قال شهاب الدين (٥) : ولا أدري كيف يلزم الزمخشري ما ألزمه به من جميع المسائل التي ذكرها ، فإن الزمخشري يقول : إن هذا بدل مما قبله ، ثم ذكر مسوغ دخول الباء في البدل ، وهو أن المبدل منه يجوز دخول الباء عليه ، فلو حل البدل محل المبدل منه ومعه الباء لكان جائزا ، لأن العامل يتعدى به ، وذكر مسوغا لخلو المبدل منه من الباء ، فقال : «لأنك تقول : حدثته كذا وحدثته بكذا» ، وأما كونه يمتنع أن يقول : «استغفرت الذنب العظيم» بنصب «الذنب» وجرّ «العظيم» إلى آخره ، فليس في كلام الزمخشري شيء منه ألبتة ، ونظير ما قاله الزمخشري في باب «استغفر» أن تقول : استغفرت الله ذنبا من شتمي زيدا ، فقولك «من شتمي» بدل من «الذنب» ، وهذا جائز لا محالة.
قوله (أَوْحى لَها). في هذه اللام أوجه :
__________________
(١) البحر المحيط ٨ / ٤٩٧.
(٢) الدر المصون ٦ / ٥٥٥.
(٣) الكشاف ٤ / ٧٨٤.
(٤) البحر المحيط ٨ / ٤٩٧.
(٥) ينظر : الدر المصون ٦ / ٥٥٥.