ما روي عنه في قدح النار ، وإنما هذا في الإبل [وروى ابن نجيح عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ في قوله تعالى : (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) قال هي في القتال وهو في الحج ، قاله ابن مسعود هي الإبل تطأ الحصى فيخرج منه النار (١)](٢).
وأصل القدح : الاستخراج ، ومنه قدحت العين : إذا أخرجت منها الماء الفاسد ، واقتدحت بالزّند ، واقتدحت المرق : غرفته. وركيّ قدوح : يغرف باليد.
والقديح : ما يبقى في أسفل القدر ، فيغرف بجهد ، والمقدحة : ما تقدح به النار.
والقداحة والقداح : الحجر الذي يوري النار.
يقال : ورى الزند ـ بالفتح ـ يري وريا : إذا خرجت ناره ، وفيه لغة أخرى : وري الزند ـ بالكسر ـ يرى فيهما ، وقد مضى في سورة «الواقعة».
وقيل : هذه الآيات في الخيل ، ولكن إيراءها : أن تهيج الحرب بين أصحابها ، وبين عدوهم. ويقال للحرب إذا التحمت : حمي الوطيس ، ومنه قوله تعالى : (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ) [المائدة : ٦٤].
قال ابن عباس : المراد ب (فَالْمُورِياتِ قَدْحاً) مكر الرجال في الحرب (٣) ، وقاله مجاهد وزيد بن أسلم : والعرب يقولون إذا أراد الرجل أن يمكر بصاحبه : والله لأمكرن بك ، ثم لأورين لك.
وعن ابن عباس أيضا : هم الذين يغزون فيورون نيرانهم بالليل ، لحاجتهم وطعامهم (٤).
وعنه أيضا أنها نيران المجاهدين إذ كثرت نارها إرهابا ، ليظنها العدو كثيرا.
وقيل هي أفكار الرجال توري النار من عظيم ما تتكلم به ويظهر بها من إقامة الحجج ، وإقامة الدّلائل ، وإيضاح الحق ، وإبطال الباطل.
قال القرطبي (٥) : هذه الأقوال مجاز ، ومنه قولهم : فلان يوري زناد الضلالة ، والأول : الحقيقة ، وأن الخيل من شدة عدوها تقدح النّار بحوافرها.
قال مقاتل : العرب تسمي تلك النّار نار أبي حباحب ، وكان أبو حباحب شيخا من
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٦٦) ، عن ابن مسعود.
(٢) سقط من : ب.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٦٨) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٥٢) ، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٦٦٨) ، عن ابن عباس.
(٥) الجامع لأحكام القرآن ٢٠ / ١٠٧.