يستوجب منعا للنسخ لو تحقّق التنافي بين الآيتين ، بل لأجل أنّ الآية الاولى تثبت الخيار للرسول في الحكم بينهم والإعراض عنهم ، والآية الثانية تبيّن أنّه لو اختار الحكم بينهم لا بدّ أن يكون بما أنزله الله تعالى لا بما يريدونه ، وسياق الآيات أيضا يدلّ على ذلك. وممّا ذكرنا يظهر أنّه لا يحتاج إلى إرجاع الضمير في قوله تعالى : (بَيْنَهُمْ) إلى الناس مطلقا دون أهل الكتاب أو اليهود خاصّة ، وإن كان ذلك لا يضرّ بأصل المطلب ، فافهم.
وفي التهذيب روى الشيخ عن عبد الله بن مسكان رفعه قال : «قال رسول الله : من حكم في درهمين بحكم جور ثمّ جبر عليه ، كان من أهل هذه الآية : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) ، فقلت : وكيف يجبر عليه؟ فقال : يكون له سوط وسجن فيحكم عليه ، فإن رضي بحكمه وإلّا ضربه بسوط وحبسه في سجنه».
أقول : رواه الكليني أيضا. والمراد منه هو الحكم على خلاف ما أنزله الله تعالى مطلقا عن علم به بأن يكون حكما بتّا وقطعا ، كما يدلّ عليه قوله صلىاللهعليهوآله : «يجبر عليه» ، لا مجرّد إنشاء الحكم.
ويستفاد من الحديث عموم الآية وشمولها لغير اليهود أيضا. ويدلّ عليه إطلاق الآيات الشريفة. ومنه يظهر أنّه لا وجه لتخصيصها باليهود كما ذهب إليه جمع.
وفي الدرّ المنثور أخرج عبد بن حميد عن حكيم بن جبير ، قال : «سألت سعيد بن جبير عن هذه الآيات في المائدة ، قلت : زعم قوم أنّها نزلت على بني إسرائيل ولم تنزل علينا ، قال : اقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقرأت عليه ، فقال : لا ، بل نزلت علينا. ثمّ لقيت مقسما ـ مولى ابن عباس ـ فسألته عن هؤلاء الآيات التي في المائدة ، قلت : زعم قوم أنّها نزلت على بني إسرائيل ولم ينزل علينا. قال : إنّه نزل على بني إسرائيل ونزل علينا. وما نزل علينا وعليهم فهو لنا ولهم ، ثمّ دخلت على علي بن الحسين فسألته عن هذه الآيات التي في المائدة وحدّثته أنّي سألت عنها