لو كانت جارية بنفسها فلا يمنع أحدهما عن الآخر ، لاختلاف موردهما ، لأن مورد الالتزام هو العقد القلبي ومورد جريان الاصول بالنسبة إلى الآثار العملية ، ففي موارد جريان الاصول ـ الحكمية أو الموضوعية ـ يلتزم بالواقع على ما هو عليه ، ولا يمنع الالتزام به جريان الأصل ، كما لا يدفع بجريانه لزوم الالتزام به وإن أمكن أن يقال إنه على فرض وجوب الموافقة الالتزامية إنما هو في ما إذا لم يكن مؤمّن شرعي في البين ، والأصل مؤمّن فينتفي به موضوع وجوب الموافقة حتى في مورد دوران الأمر بين المحذورين.
إن قلت : لا وجه لجريان الأصل في موارد دوران الأمر بين المحذورين ، لأن العقل يستقل فيها بعدم الحرج في الفعل والترك ، فليس في البين أثر عملي يجري الأصل بالنسبة إليه.
قلت : ليس هذا مانعا عن جريانه لو لم يكن مانع آخر في البين ، لأن لزوم الأثر العملي من قبيل الحكمة لجريانه لا العلة التامة فيجري الأصل وتثبت الإباحة الظاهرية ، ويلتزم بالواقع على ما هو عليه ، بل ويصح الالتزام بالإباحة الظاهرية الثابتة بالأصل أيضا ، لعدم التنافي بينهما ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
ثم إنه بناء على وجوب الموافقة الالتزامية وحرمة مخالفتها ، فلا إشكال في استحقاق العقاب على المخالفة ، إذ لا معنى للحرمة إلا ذلك ، وهل يصير العقاب فعليا مع الموافقة العملية أو لا؟ وجهان : يمكن القول بالثاني بناء على أن وجوب الموافقة الالتزامية نفسي طريقي لا موضوعية فيه.
نعم لو قيل بالموضوعية فالظاهر هو الأول ـ لو لم نقل بالسقوط من باب : (إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) ، ولو تركهما معا فمقتضى تعدد السبب تعدد العقاب أيضا إلا إذا قلنا بالطريقية المحضة فالعقاب واحد ، ولو أتى بهما معا فمقتضى سعة رحمة الله تعالى وفضله تعدد الثواب بناء على ترتب الثواب على الأعمال الجوانحية أيضا ، كما يظهر من بعض الآيات ، مثل قوله تعالى : (وَإِنْ