وثالثها : الاختلاف في جهتي الفعل ، كقوله تعالى : ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى﴾(١) اضيف القتل إليهم والرّمي إلى النبيّ صلىاللهعليهوآله على جهة المباشرة ، ونفاه (٢) عنهم وعنه صلىاللهعليهوآله باعتبار الأسباب (٣) .
ورابعها : الاختلاف في الحقيقة والمجاز ، كقوله : ﴿وَتَرَى النَّاسَ سُكارى﴾ أي من الأهوال مجازا ، وقوله : ﴿وَما هُمْ بِسُكارى﴾(٤) أي من المسكر حقيقة.
امسها : اختلاف الوجه والاعتبار ، كقوله تعالى : ﴿فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾(٥) مع قوله تعالى : ﴿خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ﴾(٦) فالأول باعتبار زوال المانع ، والثاني باعتبار الخوف.
وكقوله : ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ﴾(٧) مع قوله : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾(٨) فيظنّ أنّ الوجل خلاف الطمأنينة ، وجوابه أنّ الطمأنينة بانشراح الصّدر بمعرفة الله ، والوجل من خوف الزّيغ والذّهاب عن الهدى (٩) .
أقول : وكقوله تعالى : ﴿فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا﴾(١٠) مع قوله : ﴿وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾(١١) فإنّ النسيان في الاولى بمعنى ترك إثابتهم وعدم الأمر لهم بخير ، وفي الثانية بمعنى عدم الذكر.
وكقوله تعالى : ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ﴾(١٢) مع قوله : ﴿لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ﴾(١٣) فإنّ النّظر في الأوّل النظر إلى ثوابه ، أو إلى ربّهم كيف يثيبهم.
وكقوله تعالى : ﴿كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ﴾(١٤) وكقوله : ﴿إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾(١٥) وقوله : ﴿فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾(١٦) مع قوله : ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ﴾(١٧) [ فإنّما يعني بقوله ﴿لَمَحْجُوبُونَ﴾ أي عن ثواب ربّهم يوم القيامة ] وإن الذّهاب في قوله تعالى : ﴿إِنِّي ذاهِبٌ﴾ بمعنى التوجّه والعبادة ، وإتيان الله بمعنى إرسال العذاب ، وكذلك إتيانه بنيانهم [ في قوله
__________________
(١) الأنفال : ٨ / ١٧. (٢) في النسخة : ويفنا.
(٣) في الاتقان : باعتبار التأثير.
(٤) الحج : ٢٢ / ٢. (٥) سورة ق : ٥٠ / ٢٢.
(٦) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٩٥ ، والآية من سورة الشورى : ٤٢ / ٤٥.
(٧) الرعد : ١٣ / ٢٨. (٨) الأنفال : ٨ / ٢.
(٩) الإتقان في علوم القرآن ٣ : ٩٦.
(١٠) الأعراف : ٧ / ٥١. (١١) مريم : ١٩ / ٦٤.
(١٢) القيامة : ٧٥ / ٢٢ و٢٣. (١٣) الأنعام : ٦ / ١٠٣.
(١٤) المطففين : ٨٣ / ١٥. (١٥) الصافات : ٣٧ / ٩٩.
(١٦) الحشر : ٥٩ / ٢.
(١٧) الحديد : ٥٧ / ٤.