قيل في وجه ارتباط هذه الجملة بما قبلها : إنّهم لمّا سألوا عن حكمة تغيير حال القمر ، ردعهم الله عن السؤالات غير المفيدة للدّين ، كأنّه قال سبحانه : لا تسألوا عمّا لا يهمّكم ، بل اسألوا عمّا البحث فيه أهمّ ، وهو أنّكم تظنّون أنّ إتيان البيوت من ظهورها برّ ، وهذا خطأ محض ، بل البرّ هو تقوى الله (١) .
في وجوب أخذ العلم من الراسخين في العلم والعلماء الذين يكون علمهم مأخوذا عنهم
وقيل : إنّهم لمّا سألوا عن حكمة اختلاف حال القمر (٢) ، علّمهم الله طريق تحصيل العلم ، بقوله : ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ وهي كناية عن وجوب السؤال عمّن يعلم أنّه عالم بحقائق الامور والأحكام من قبل الله وهو النبيّ وأوصياؤه صلوات الله عليهم ، الذين وصفهم الله بالرّاسخين في العلم ، والعلماء الذين أخذوا العلم منهم ، دون من يكون علمه مبنيّا على الخرص والظنّ والقياس والاستحسان ، وأقوال الرجال الذين لا يؤمنون من الافتراء على الله ورسوله.
عن ( الاحتجاج ) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « قد جعل الله للعلم أهلا ، وفرض على العباد طاعتهم بقوله : ﴿وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها﴾ والبيوت هي بيوت العلم الذي استودعه الأنبياء ، وأبوابها أوصياؤهم » (٣) .
وعنه عليهالسلام : « نحن البيوت التي أمر الله [ بها ] أن تؤتى من أبوابها ، نحن باب الله وبيوته التي يؤتي منها ، فمن تابعنا وأقرّ بولايتنا فقد أتى البيوت من أبوابها ، ومن خالفنا وفضّل علينا غيرنا فقد أتى البيوت من ظهورها » (٤) .
وفي رواية : « أنّ الله عزوجل لو شاء عرّف النّاس نفسه حتّى يعرفوه [ وحده ] ويأتوه من بابه ، ولكنّه جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه » قال : « فمن عدل عن ولايتنا وفضّل علينا غيرنا ، فقد أتى البيوت من ظهورها وإنهم عن الصراط لناكبون » (٥) ، الخبر.
ويمكن أن يكون المراد من إتيان البيوت من أبوابها ، البيوت الظاهريّة المسكونة ، والبيوت المعنويّة العلميّة بإرادة القدر المشترك بين المعنى الحقيقيّ والمجازيّ.
﴿وَاتَّقُوا اللهَ﴾ واحترزوا مخالفة أحكامه وتغييرها ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ وتفوزون بجميع الخيرات الدنيويّة والاخرويّة والمقامات العالية.
__________________
(١) تفسير الرازي ٥ : ١٢٦.
(٢) تفسير البيضاوي ١ : ١٠٨.
(٣) الإحتجاج : ٢٤٨.
(٤) الإحتجاج : ٢٢٧.
(٥) الإحتجاج : ٢٢٨.