﴿مِنْهُ﴾ أي من المسجد ، كلّ واحد من هذه الامور إثم من قريش ﴿أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ﴾ وفي علمه من قتال سريّة وقتل ابن الحضرميّ في الشّهر الحرام ؛ لأنّ القتال فيه قد يحلّ والكفر بالله لا يحلّ بحال.
قيل : إنّ عدّه المسلمين من أهل المسجد مع كونهم خارجين عن مكّة ، لكونهم قائمين بأداء وظائفه حافظين لحدوده (١) .
﴿وَالْفِتْنَةُ﴾ والفساد في الأرض ، وقيل : إنّ المراد منها الشّرك بالله وإخراج أهل المسجد (٢)﴿أَكْبَرُ﴾ وزرا ، وأشدّ قبحا ﴿مِنَ الْقَتْلِ﴾ الصادر من المسلمين على سبيل الخطأ ، وبظنّ عدم دخول الشّهر الحرام.
نقل أنّه لمّا نزلت ، كتب عبد الله بن أنيس إلى مؤمني مكّة : إذا عيّركم المشركون بالقتال في الشّهر الحرام ، فعيّروهم أنتم بالكفر وإخراج رسول الله صلىاللهعليهوآله من مكّة ، ومنعهم المسلمين عن البيت (٣) .
ثمّ بيّن سبحانه ، أنّهم كيف يعيّرونكم على قتل واحد ﴿وَ﴾ هم ﴿لا يَزالُونَ﴾ في جميع الأوقات ﴿يُقاتِلُونَكُمْ﴾ ويديمون على عداوتكم ولا ينفكّون عنها ﴿حَتَّى يَرُدُّوكُمْ﴾ وكي يصرفوكم ﴿عَنْ دِينِكُمْ﴾ الحقّ إلى دينهم الباطل ﴿إِنِ اسْتَطاعُوا﴾ وأنّى لهم ذلك لتصلّبكم في إيمانكم ، وثباتكم في دينكم ، وفيه تطييب لقلوب المؤمنين.
ثمّ أنّه تعالى بعد استبعاد ارتداد أهل الإيمان ، أخذ في تحذير من يرتدّ بإضلالهم ، بقوله : ﴿وَمَنْ يَرْتَدِدْ﴾ وينصرف ﴿مِنْكُمْ﴾ أيّها المسلمون ﴿عَنْ دِينِهِ﴾ الحقّ إلى الباطل ، وعن التّوحيد إلى الشّرك ﴿فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ﴾ ولم يتب عن ارتداده ، ولم يرجع إلى الإسلام ، وفيه ترغيب في الرّجوع إلى الاسلام بعد الارتداد وقبل الموت ، ودلالة على قبول توبة المرتدّ ﴿فَأُولئِكَ﴾ المرتدّون البعيدون عن رحمة الله ﴿حَبِطَتْ﴾ وضاعت ﴿أَعْمالُهُمْ﴾ الصالحة التي عملوها حال إسلامهم ، ولا يترتّب عليها نفع وأثر خير ﴿فِي الدُّنْيا﴾ فإنّ للأعمال الخيريّة آثارا وفوائد دنيويّة كحسن الذّكر عند المؤمنين ، وطلب المغفرة له منهم ، وجواز المناكحة ، والموادّة ، وألطاف خاصّة من الله في أعقابه.
روي عن الصادق عليهالسلام : « أنّ الله ليصلح لصلاح (٤) المؤمن ولده وولد ولده ، ويحفظه في دويرته ودويرات حوله ، فلا يزالون في حفظ الله لكرامته على الله » (٥) الخبر. فبالارتداد تزول تلك الآثار
__________________
(١) تفسير الرازي ٦ : ٣٤.
(٢ و٣) . تفسير روح البيان ١ : ٣٣٥.
(٤) في تفسير العياشي : بصلاح الرجل.
(٥) تفسير العياشي ٣ : ١٠٦ / ٢٦٨٧.