[ الرسول صلىاللهعليهوآله ] : « غفرانك ربّنا » (١) .
وفي ندائه بعنوان الرّبوبيّة مضافا إلى أنفسهم مبالغة في التّضرّع ، وجلب العطوفة (٢) . وتقديم ذكر السّمع والطّاعة على سؤال المغفرة ، لكونه أدعى إلى القبول والإجابة ، وفي الإقرار بالمعاد بقوله : ﴿وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ بيان لعلّة كمال الحاجة إلى المغفرة.
وفي رواية ( الاحتجاج ) : عن أمير المؤمنين عليهالسلام في قصّة معراج النبيّ صلىاللهعليهوآله قال : « فلمّا أن صار إلى ساق العرش كرّر عليه الكلام ليفهمه ، فقال : ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ ،﴾ فأجاب صلىاللهعليهوآله مجيبا عنه وعن امّته فقال : ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ ، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ،﴾ فقال جلّ ذكره : لهم الجنّة والمغفرة على أن فعلوا ذلك ، فقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : أمّا إذا فعلت ذلك بنا فغفرانك ربّنا وإليك المصير - يعني المرجع في الآخرة - قال : فأجابه الله جل ثناؤه : قد فعلت ذلك بك » (٣) .
﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا
إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا
رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا
فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ (٢٨٦)﴾
ثمّ بعد ما بيّن الله طاعة المؤمنين وانقيادهم له ، ذكر منّته عليهم بالتّسهيل في الأحكام بقوله : ﴿لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً﴾ ولا يلزم على نسمة عملا ﴿إِلَّا وُسْعَها﴾ وما يسهل عليها ، وتسع له قدرتها ؛ بحيث لا يكون عليها فيه ضيق ولا حرج ، فضلا منه ورحمة على هذه الامّة.
عن الصادق عليهالسلام : « ما امر العباد إلّا دون سعتهم ، وكلّ شيء امر النّاس بأخذه فهم متّسعون [ له ] ، وما لا يتّسعون [ له ] فهو موضوع عنهم ، ولكنّ النّاس لا خير فيهم » (٤) .
ثمّ بعد بيان المنّة عليهم بالتّخفيف والتّسهيل في التّكليف ، رغّب في الطّاعة بقوله : ﴿لَها﴾ ثواب ﴿ما كَسَبَتْ﴾ وعملت من خير وطاعة ، لا لغيرها. ثمّ رهّب عن المخالفة والعصيان بقوله : ﴿وَعَلَيْها﴾ عقاب ﴿مَا اكْتَسَبَتْ﴾ وحصّلت من الشّرّ والضّرّ والمعصية ، لا على غيرها.
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٤٤٧.
(٢) كذا ، وقياس المصدر : العطف أو العطوف.
(٣) الاحتجاج : ٢٢١ ، تفسير الصافي ١ : ٢٨٩.
(٤) التوحيد : ٣٤٧ / ٦.