فإن ذكر إعسارا ، كشف عن حاله ، فإن كان على ما قال ، انظر ولم يحبس ، وإن لم يكن كذلك ، الزم الخروج إلى خصمه من حقه.
ومتى بدأ الخصم باليمين ، من غير أن يحلفه الحاكم ، لم يبره ذلك من الدعوى ، وكان متكلفا.
وإن أقرّ المدّعي عليه بما ادعاه خصمه ، وقال : أريد أن تنظرني ، حتى أتمحله ، أي أكتسبه (١) ، قال الحاكم لخصمه : فما عندك فيما يقول ، فإن سكت ولم يجب بشيء ، توقف عليه القاضي هنيهة ، ثم قال له : قل ما عندك ، فإن لم يقل شيئا ، إقامة ، ونظر في أمر غيره ، وإن قال أنظره فذلك له ، وإن أبى لم يكن للحاكم ، أن يشفع إليه فيه ، ولا يشير عليه بالإنظار.
وله أن يأمرهما بالصلح ، ويشير بذلك ، لقوله تعالى « وَالصُّلْحُ خَيْرٌ » (٢) وما هو خير ، فللإنسان فعله بغير خلاف من محصّل.
وقد يشتبه هذا الموضع على كثير من المتفقهة ، فيظن أنّه لا يجوز للحاكم أن يأمر بالصلح ، ولا يشير به ، وهذا خطأ من قائله ، وشيخنا أبو جعفر في مبسوطة ، قد أفصح عن ذلك ، وحقّقه ، وذهب إليه ، فقال : إذا ترافع إليه نفسان ، وكان الحكم بينهما واضحا ، لا إشكال فيه ، لزمه أن يقضي بينهما ويستحب أن يأمرهما بالمصالحة ، وإن كان حكمهما مشكلا أخره إلى البيان ، ولا حدّ له غير ظهور الحكم وبيان الحق ، وإن قدّمه لم يجز ، لأن الحكم قبل البيان ظلم ، والحبس بالحكم بعد البيان ظلم ، هذا آخر كلام شيخنا (٣).
وإن قال : الدين عليّ ، وأنا معسر ، لا أقدر على قضائه ، نظر في سبب الدين ، فإن كان عن مال حصل في يديه ، كالقرض ، والشراء ، والصلح ، والغصب ، ونحو ذلك ، لم يقبل قوله أيضا في الإعسار ، لأنّ الأصل الغنى ،
__________________
(١) ج : أتكسبه.
(٢) النساء : ١٢٨.
(٣) المبسوط : ج ٨ ، كتاب آداب القضاء ، ص ١٧٠.