يطلقون القول بذلك ، وأنّ أبا الميتة ، لو ادّعى كلّ المتاع ، وجميع المال ، كان قوله مقبولا بغير بينة ، وهذا خطأ عظيم ، في هذا الأمر الجسيم ، لأنّه إن كانوا عاملين بهذا الحديث ، فقد أخطأوا من وجوه ، أحدها أنه لا يجوز العمل عند محصّلي أصحابنا بأخبار الآحاد ، على ما كررنا القول فيه ، واطلناه (١).
والثاني ، من يعمل بأخبار الآحاد ، لا يقول بذلك ، ولا يعمل به ، إلا إذا سمعه الراوي من الشارع.
والثالث أنّ الحديث ما فيه أنّه ادّعى أبوها جميع متاعها وخدمها ، وانما قال بعض ما كان عندها ، ولم يقل جميع ما كان عندها.
ثم إنّه مخالف لأصول المذهب ، ولما عليه إجماع المسلمين ، انّ المدّعي لا يعطى بمجرّد دعواه ، والأصل براءة الذمة ، وخروج المال من مستحقه ، يحتاج إلى دليل ، والزوج يستحق سهمه ، بعد موتها بنص القرآن ، فكيف يرجع عن ظاهر التنزيل ، بأخبار الآحاد ، وهذا من أضعفها ، ولا يعضده كتاب ولا سنّة مقطوع بها ، ولا إجماع منعقد ، فإذا خلا من هذه الوجوه ، بقي في أيدينا من الأدلة ، أنّ الأصل براءة الذمة ، والعمل بكتاب الله ، وإجماع الأمة ، على أنّ المدّعي لا يعطى بمجرّد دعواه.
ثمّ لم يورد هذا الحديث إلا القليل من أصحابنا ، ومن أورده في كتابه ، لا يورده إلا في باب النوادر ، وشيخنا المفيد ، والسيد المرتضى ، لم يتعرضا له ، ولا أورداه في كتبهما ، وكذلك غيرهما من محقّقي أصحابنا ، وشيخنا أبو جعفر رحمهالله ما أورده في جميع كتبه ، بل في كتابين منها فحسب ، إيرادا ، لا اعتقادا ، كما أورد أمثاله من غير اعتقاد لصحته ، على ما بيّناه ، وأوضحناه ، في كثير مما تقدّم ، في كتابنا هذا.
ثم شيخنا أبو جعفر الطوسي رحمهالله رجع عنه وضعفه ، في جوابات المسائل الحائريات (٢) المشهورة عنه ، المعروفة.
__________________
(١) ج : وأطلقناه.
(٢) المسائل الحائريات : ص ٢٨٧ ، الطبع الحديث ، وفي ذيل الصفحة نقلا عن النسختين زيادة