قتله عمدا أو خطاء ، فإن كان ما عليه محيطا بديته ، وكان قد قتل عمدا ، لم يكن لأوليائه القود ، إلا بعد أن يضمنوا الدين عن صاحبهم ، فإن لم يفعلوا ذلك ، لم يكن لهم القود على حال ، وجاز لهم العفو بمقدار ما يصيبهم ، هكذا أورده شيخنا أبو جعفر في نهايته (١).
والذي تقتضيه أصول مذهبنا ، وما عليه إجماع طائفتنا ، انّ قتل العمد المحض موجبه القود فحسب ، دون التملّك ، والله تعالى قال في محكم التنزيل ( وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ ) (٢) وقال تعالى ( فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً ) (٣) ولا يرجع عن هذه الأدلة بأخبار الآحاد التي لا توجب علما ولا عملا.
والاولى أن يخص ما ورد من الأخبار بقتل الخطإ ، لأنّ قتل الخطأ يوجب المال بغير خلاف ، دون القود ، وكأنّما الميّت خلّف مالا ، أو استحق بسببه مال ، فيقضي به دينه.
وأمّا قتل العمد المحض ، فإنّه يوجب القود ، دون المال ، فكأن الميّت ما خلّف مالا ، ولا يستحق بسببه مال ، فإن عفت الورثة واصطلح القاتل والورثة على مال ، فإنّهم استحقّوه بفعلهم وعفوهم ، وفي قتل الخطأ ما استحقّوه بعفوهم ، بل بسبب الميّت ، لأنّهم لا يستحقّون غيره ، وفي قتل العمد المحض ، استحقوا القود ، دون المال ، فمن أبطله عليهم ، ودفعه عنهم ، فقد أبطل سلطانهم الذي جعله الله لهم ، وخالف ظاهر التنزيل ، وأبطل القود ، إذا لم يؤدوا إلى صاحب الدين الدية ، وأسقطوا اللطف الذي هو الزجر في قوله تعالى « وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ » لأنّ من علم أنّه يقتل ، إذا قتل ، كف عن القتل ، فحيي (٤) هو ومن يريد أن يقتله.
وأيضا فصاحب الدين لا يستحق إلا ما يخلف الميّت من الأموال ، وكان
__________________
(١) النهاية : باب قضاء الدين عن الميّت.
(٢) البقرة : ١٧٩.
(٣) الاسراء : ٣٣.
(٤) ل. : فيحيي.