مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللّائِي لَمْ يَحِضْنَ ) (١) وهذا نص ، وقوله تعالى « إِنِ ارْتَبْتُمْ » معناه على ما ذكره جمهور المفسرين ، إن كنتم مرتابين في عدّة هؤلاء النساء وغير عالمين بمقدارها ، فقد روي أنّ أبي بن كعب قال : يا رسول الله انّ عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار ، وأولاتُ الأحمالِ ، فأنزل الله تعالى « وَاللّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ » إلى قوله : ( وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) ولا يجوز أن يكون الارتياب بأنّها آيسة من المحيض ، أو غير آيسة ، لأنّه تعالى قطع فيمن تضمنته الآية باليأس من المحيض ، بقوله ( وَاللّائِي يَئِسْنَ ) والمرتاب في أمرها لا تكون آيسة.
وإذا كان المرجع في حصول حيض المرأة وارتفاعه إلى قولها ، كانت مصدّقة فيما تخبر به من ذلك ، وأخبرت بأحد الأمرين ، لم يبق للارتياب في ذلك معنى ، وكان يجب لو كانت الريبة راجعة إلى ذلك أن يقول : إن ارتبن (٢) ، لأنّ الحكم في ذلك يرجع إلى النساء ، ويتعلّق بهنّ ، ولا يجوز أن يكون الارتياب بمن تحيض أو لا تحيض ممّن هو في سنّها ، لأنّه لا ريب في ذلك من حيث كان المرجع فيه إلى العادة ، على أنّه لا بدّ فيما علّقنا به الشرط ، وجعلنا الريبة واقعة فيه ، من مقدار عدّة من تضمنته الآية ، من أن يكون مرادا ، من حيث لم يكن معلوما لنا قبل الآية ، وإذا كانت الريبة حاصلة بلا خلاف ، تعلّق الشرط به ، واستقل بذلك الكلام ، ومع استقلاله يتعلّق الشرط بما ذكرناه ، ولا يجوز أن يتعلّق بشيء آخر ، كما لا يجوز فيه لو كان مستقلا اشتراطه ، فهذا جملة ما يتمسّك به من نصر اختيار المرتضى.
والقول الآخر أكثر وأظهر بين أصحابنا ، وعليه يعمل العامل منهم ، وبه يفتي المفتي ، والروايات بذلك متظاهرة متواترة ، وأيضا الأصل براء الذمة من هذا التكليف ، فمن علّق عليها شيئا يحتاج إلى دليل ، وهو مذهب شيخنا المفيد ،
__________________
(١) الطلاق : ٤.
(٢) ج : ارتبتنّ.