قال ابن الخطيب (١) : واعلم أنّه تعالى ، كما جعل كيفية خلقه الحيوان دليلا على معرفة المبدأ والمعاد ، ذكر في هذا القسم كيفية خلقه النبات.
فقال تعالى : (وَالسَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ) أي : كالأب ، (وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ) كالأم ، وكلاهما من النعم العظام ؛ لأن نعم الدنيا موقوفة على ما ينزل من السماء متكررا ، وعلى ما ينبت من الأرض كذلك ، ثم أردف هذا القسم بالمقسم عليه ، وهو قوله تعالى : (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ). وهذا جواب القسم ، والضمير في «إنّه» للقرآن ، أي : إن القرآن يفصل بين الحق والباطل.
وقال القفال : يعود إلى الكلام المتقدم والمعنى : ما أخبرتكم به من قدرتي على إحيائكم يوم تبلى سرائركم قول فصل ، وحق ، والفصل : الحكم الذي ينفصل به الحق عن الباطل ، ومنه فصل الخصومات ، وهو قطعها بالحكم الجزم ، [ويقال : هذا قول فصل قاطع للشر والنزاع.
وقيل : معناه جد](٢) لقوله : (وَما هُوَ بِالْهَزْلِ). أي : باللعب ، والهزل : ضد الجد والتشمير في الأمر ، يقال : هزل يهزل.
قال الكميت : [الطويل]
٥١٧٢ ـ تجدّ بنا في كلّ يوم وتهزل (٣)
قوله : (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً) ، أي : أنّ أعداء الله يكيدون كيدا ، أي : يمكرون بمحمدصلىاللهعليهوسلم وأصحابه مكرا.
قيل : الكيد ، إلقاء الشبهات ، كقولهم : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [المؤمنون : ٣٧] (مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) [يس : ٧٨] ، (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً) [ص : ٥] ، (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] ، (فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) [الفرقان : ٥].
وقيل : الطعن فيه بكونه ساحرا ، أو شاعرا ، أو مجنونا ، حاشاه من ذلك صلىاللهعليهوسلم.
وقيل : قصدهم قتله ، لقوله تعالى : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [الأنفال : ٣٠] الآية.
وأما قوله : (وَأَكِيدُ كَيْداً). أي : أجازيهم جزاء كيدهم.
__________________
(١) ينظر الفخر الرازي ٣١ / ١٢١.
(٢) سقط من : ب.
(٣) عجز بيت وصدره :
أرانا على حبّ الحياة وطولها
ينظر الكميت وقصائده الهاشميات ص ١٤١ ، واللسان (هزل) ، والقرطبي ٢ / ٩ ، والبحر ٨ / ٤٤٨ ، والدر المصون ٦ / ٥٠٨.