دليل على نفيه إذ العقلاء قد اجتمعوا على نفي الأثر من غير المؤثر جملة ثم اختلفوا في الصانع.
وهكذا أجمع العقلاء على أن هناك لون ما خلا نفاة الأعراض ، قال بعضهم : لا نراه ، والدليل على أنه يرى أنه لا طريق لنا إلى العلم بالشيء إلا فعله أو حكمه أو مشاهدته ، ولا فعل للون ولا حكم ، فلم يبقى إلا المشاهدة وإلا بطل العلم به بعد ثبوته ، وقد ثبت كون السوفسطائي من العقلاء وهو ينكر حقائق المشاهدات وإنما يعتبر أن العقلاء لا يختلفون في الشاهد مع اتفاق الدواعي ، فأما مع اختلافها فيجوز اختلافهم فيما يعلم ضرورة خلافه ، قال الله تعالى في اليهود : (يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ) [البقرة : ١٤٦] ، يعني النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فأنكروا ذلك ، ومعرفة الابن ضرورة ، ولأنا نعلم ضرورة أن الحيل هو الذي كان أمس ، وأن المدقق الذي ناظرك يلقاك إن عاش مرة أخرى إن توفق اللقاء ، والمطرفي الذي قد تعدت أسبابه من كثرة الاستعمال ، وادعاه أنه من عقلاء الرجال يباطن على أن الحيل قد استحال ، وانقلب على الأحوال ، لأنه كان بالأمس حارا واليوم باردا ، وباردا وهو اليوم حار ، فقد رأيت اختلافهم لاختلاف الأعراض فيما يعلم ضرورة خلافه.
فأما فيما لا يختلف فيه العرب فلا يجوز اختلافهم فيه ، فتفهم ذلك فإنه يدلك على شيء كثير.
المسألة الثالثة في سماع الأعراض
هل انتقل إلى آذان السامعين بحال غير الأعراض لا يجوز عليها الانتقال ولا التجزي ، فكيف تفرق الكلام في أذن السامعين ، وإذا تكلم الإنسان في مكان له جو غير متفهق من أين يسمع الكلام؟