الثالث والعشرون [في إخراج الحقوق الفورية التي أمرها إلى الإمام]
قالوا أيدهم الله عزوجل : ما ترى في رجل وجبت عليه حقوق لله تعالى مؤقتة أو غير مؤقتة ، وكان ممن يقول بوجوبها على الفور ، وهي مما يكون إنفاذها إلى الإمام ، ولم يتمكن من الوصول إليه إلا بعد خروج الوقت الذي يجب عليه إخراجها ؛ هل يكون له التأخر إلى أمر الإمام أو ولاته ، وإن طالت المدة وعنده المستحقون المضطرون إلى ذلك ، وهو يخشى تلف ذلك ولا يقدر على عزمه أم له إخراجه إلى من يستحقه وربما إن جرى عليه الموت وخشي أن لا يخرج عنه؟
الجواب في ذلك والله الموفق : أن الحقوق الواجبة على الإنسان مؤقتة وغير مؤقتة تلزمه تأدية المؤقت في وقته ، وتأدية ما ليس بوقت عند ذكره إلى الإمام أو عامله ، ولا ينتظر في ذلك أمرا من الإمام متجددا ؛ لأنه قد يلزم الإنسان ما لا يعلمه الإمام ولا واليه ، ويتضيق ذلك عند من يقول بالتراخي والفور ؛ لأن اتفاق الإمام على الفور فهو متضيق في الحالات إلى أن يعلم غنى الإمام عن المال جاز التمهل إلى مؤامرته ، ولا يجوز للإنسان صرف الحقوق إلى أهل الاضطرار إلا برأي الإمام ، لأن المجاهدين إذا اضطروا واضطر الضعفاء كان إيثار المجاهدين بالمال أولى ، وإن انتهى حال الضعيف إلى التلف لأنهم حماة حوزة الإسلام ، ورعاة سرح الدين ، ولا قوام لهم إلا بالمال ، وحفظ الدين أولى من حفظ النفوس ؛ لأن الواجب حفظ النفس بالمال ، وحفظ الدين بمجموع النفس والمال فاعلموا ذلك موفقين إن شاء الله تعالى.
وأما خشيته لتلف المال أو تلف نفسه ولا يخرج بعده فهو لا يكون عذرا في صرفه إلى غير الإمام أو واليه ؛ لأن الشرع النبوي جاء بالمنع من التصرف في الحقوق الشرعية إلا برأي الإمام أو من يكون من قبله.