مسألة [في الرؤية]
قال أرشده الله : قالت الزيدية إن الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا يراه يوم القيامة عباده الأبرار. قال : وذلك باطل بدلالة قوله تعالى : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) [القيامة : ٢٢ ، ٢٣] ، وقوله : (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ) (١) [يونس : ٢٦] قال : والزيادة نظر الرب تعالى بالعيون الباقية على ما جاء ذلك عن الصحابة ، حتى لو ادعينا إجماعهم على ذلك لساغ لنا. قال : لأن الصحابة اختلفوا في رؤية الباري تعالى في الدنيا ، ولم يختلفوا في الآخرة فإن المروي عن ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) [النجم : ١٣] أنه رآه بعيني رأسه ، وروي بعيني قلبه. قال : وإنما تعلقت الزيدية برواية شاذة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت وقد سئلت عن ذلك : (قف شعري مما قلتم من زعم أن محمدا رأى ربه فهذا أعظم الفرية على الله) (٢) وهذا إن صح متأول وإجماع الأمة منعقد على أن الأنبياء
__________________
(١) في الأصل : لهم الحسنى وزيادة. وهو خطأ.
(٢) روى مسلم عن مسروق قال : كنت متكئا عند عائشة فقالت : يا أبا عائشة ثلاث من تكلم بواحدة منهن فقد أعظم على الله الفرية. قلت : وما هن؟ قالت : من زعم أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال : وكنت متكئا فجلست فقلت : يا أم المؤمنين ، أنظريني ولا تعجليني ألم يقل الله عزوجل (وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) ، (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى)؟ فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله (ص) فقال : إنما هو جبريل لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين رأيته منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء والأرض. فقالت : أو لم تسمع أن الله يقول : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) أو لم تسمع أن الله يقول : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ). قالت : ومن زعم أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أنه يخبر بما يكون في غد فقد أعظم على الله الفرية والله يقول : (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) وفي رواية أخرى عن مسروق قال : سألت عائشة هل رأى محمد ربه؟ فقالت : سبحان الله لقد قفّ شعري لما قلت ، وساق الحديث ... إلخ.
أخرجه البخاري ٤ / ٢٣٨ ، ومسلم ١ / ١١٠ عن مسروق عن عائشة بلفظ متقارب وانظر (رؤية الله تعالى بين العقل والنقل) تأليف : الأستاذ عبد الله بن حمود العزي.