وسأل أيّده الله ، عن : الفصل بين المسألتين في التحرير وشرحه
وهما فيمن أرسل الدابة في زرع الغير فأفسدته لا من فورها ، والثانية فيمن حل رسنها ولم يكن نفورها من فورها.
قال أيّده الله : فقالوا في الأولى يلزمه ضمان ما أفسدته ، وقالوا في الثانية لا يكون ضامنا للدابة لأن نفورها باختيارها وإن كان منه سبب ذلك أولا فأول.
قال أيّده الله : وهذا الوجه موجود في المسألة الأولى فما الوجه الفارق؟
اعلم أيّدك الله : أن أغراض أهل العلم لا يتمكن من الاتصال بمعرفتها إلا بأن تعرف عللها ، وقد ثبت أن كل فعل يفعله الإنسان أو يكون في الحكم كأنه من جهته فإنه يلزمه في الحكم ، وإن كان فعل غيره كما يقول فيمن يلقي نفسا بين المطر فتموت ، أو يغلق على إنسان بابا ويمنعه من الطعام والشراب ، فإن الموت في المسألتين وإن كان فعل الله سبحانه فهو لازم له في الحكم كأنه من جهته ، والدابة لها شبه بالآلة من حيث فقد العقل ، ولها ضرب من الاختيار لمكان الإلهام ؛ فإذا أرسلها في الزرع صارت كالآلة فما حصل منها والحال هذه لزمه ، كحافر البئر وناصب الحجر في طريق المسلمين ، وإن لم يقع الضرر بهما في الحال فهو لازم له ، فأما إذا خلع رسنها فأكثر ما فيه أنه مكنها من فعل ما يوجب الضمان وكانت حركتها للضرر ، وفعل الضرر قد وقف على اختيارها فصار بمنزلة من يرى رجلا يروم قتل آخر ويرفع الحديد فيناوله سيفا أو سكينا فقتله به فإنه لا يلزمه والحال هذه ضمان ، وإن كان قد مكّنه مما يوجب الضمان بخلاف ما لو كان السيف بيده مسلولا ، ثم دهقه فقتل به آخر فإن الضمان على الداهق لأن القاتل صار والحال هذه بمنزلة الآلة ، فهذا ما أمكن في هذه المسائل على وجه الاختصار لمكان تكاليف الأشغال ، فتفهّم موفقا.
* * *