فصل [في إجماع أهل البيت عليهمالسلام]
اعلم وفقنا الله وإياك لإصابة الصواب أن العلماء من آل الرسول عليهمالسلام وغيرهم من علماء العامة قد كثر كلامهم في الفروع ، واشتدت عنايتهم في تمييز الحق من الباطل ، وإيثار الراجح على الشائل ولم يقصر أحد منهم في ذلك وكان من جملة ما تكلم فيه الناس الإجماع ، فإن الخلاف واقع فيه ، فمن الناس من منع منه رأسا ، ومنهم من أثبته ؛ واختلف المثبتون ، فمنهم من جعل لكافة الأمة ، ومنهم من ذكر إجماع العترة ؛ ولا غرض لنا في تبيين كلام كل فرقة ، وإنما قصدنا أن نبين إجماع أهل البيت عليهمالسلام هو الحجة دون من عداهم من إجماع الأمة ، ونذكر الأدلة على ذلك على وجه الاختصار والله المعين والموفق.
اعلم أن لك في الاستدلال على أن إجماعهم دون غيرهم طريقان : جدلية وعلمية ؛ فالعلمية الكتاب والسنة ؛ والجدلية ما نذكر من بعد إن شاء الله تعالى.
أما الكتاب قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج : ٧٨] ، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله اختارهم له شهداء ، والثاني أنه لو لم يكن قولهم حجة لما اختارهم ، فالذي دل على الأصل الأول وهو أنه اختارهم شهداء فظاهر الآية ينطق بذلك في قوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ) [الحج : ٧٨] والاجتباء هو الاختيار ، وظهوره في اللغة يغني عن الاستشهاد عليه فثبت الأصل الأول.
وأما الأصل الثاني وهو أنه لا يختار له شهداء إلا من يكون قولهم حجة