اعلم أيدك الله : أن الجزية هي المال المأخوذ عن الرقاب ، مأخوذة في أصل اللغة من الإجزاء في وجوب طرف الأداء والمشاركة ، وهي في مقابلة إقرار الملل الخارجة عن الإسلام وعلى وجه التصغير على كفرهم إلا ما استثناه الدليل كسب الأنبياء عليهمالسلام ، وإظهار قبائح مخصوصة وما جانس ذلك ، وكانت تزيد في الأصل ، وتنقص على قدر استظهار المسلمين وضعفهم ، فقد يكون دينارا ، ويكون أقل ، وقد يكون أكثر إلى زمن عمر ، ثم استوت عن تواطؤ من الصحابة رضي الله عنهم ، وتشاور ولما ذكروا الفقير ومن لا يجد شيئا ، فالولاية لا تعوز أعجز الناس وأكثرهم درهما في الشهر ، فجعلوا عليه في السنة اثني عشر درهما ، ولسنا نتمكن من استقصاء ما تحتمله المسائل لكثرة الأشغال وقلة الفراغ ، وكون ذلك يتسلسل إلى شيء كثير وكان يتعلق به نفع ، ولكن لم نتمكن مع المعاذير من بلوغه ، فالله المستعان.
ولما ضربت الجزية على الملل المخالفة لم يقع خلاف في الصدر الأول ولا في غيره من الأعصار دفعها إلى آل الرسول ، وقد علمت أنما يخص الفقراء وأطلق الفقراء لم يجرفه إليهم ، وكذلك فإن المسلمين بلغوا في بعض أزمنة الصحابة رضي الله عنهم إلى حال لا يعلم في أهل الديوان فقير ، ولم نعلم امتناعهم من جزية ، ولا منعهم ولي الأمر عنها ، ولأنها أخت الخراج ؛ وذلك لأن الخراج في الأموال وهي في الرقاب ، ولم يختلف المسلمون في جوازها للغني ، فهذا هو الدليل في جواز صرفها في الغنى وهو المذهب.
المسألة الثالثة في ترتيب الديوان وجواز المفاضلة بينهم في العطاء
مع كون الفاعل لذلك قسم بالسوية ، وعدل في الرعية وما الدليل؟
الجواب عن ذلك : اعلم أيدك الله أن الديوان حادث في زمن عمر ، وكان الأمر بعده جار عليه ، وقبله غير منتظم لوجهين :