وأما ما روي عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من لم يرض بقضائي ..» إلى آخر الخبر فهو صحيح وهو حجتنا على من زعم أن المعاصي قضاء الله سبحانه على الإطلاق ؛ لأنا نقول له : أطبقت الأمة على أن الرضى بقضاء الله عزوجل واجب ، وأطبقت على أن الرضا بالمعاصي لا يجوز ، فلو كانت بقضاء الله عزوجل لوجب الرضا بها ، فلما لم يجز ذلك علمنا أنها ليست بقضائه على معنى أنها فعله تعالى عن ذلك.
وأما قوله : كل شيء بقدر حتى العجز والكيس فذلك صحيح ؛ فإذا رجع بالعجز إلى الضعف وبالكيس إلى القوة فذلك ثابت وهو يكون قدرا بمعنى الفعل.
وأما قوله : «إن الله خلق الخير والشر يا أبا بكر» فذلك قولنا ، وإنما خلق الشر الذي هو من قبله كالجدب ، والمرض ، ونقص الأموال ، والأنفس ، والثمرات.
وأما قوله : إن المعاصي من الشر فلا شك في ذلك ، ولكنها فعل العباد دونه ، ولا يحسن إضافتها إليه لأنه يتعالى عنها ويذم على فعلها فكيف يذم على فعل نفسه وقد صحت حكمته.
وأما قوله : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) [الحديد: ٢٢] ، بمعنى : يخلقها فذلك مستقيم وهي المصائب النازلة من قبله تعالى في الأرض وفي الثمار والأشجار والأمتعة الأرضية ، ولا في أنفسكم النساء والأولاد والأحباب والأوداد ، والمصائب فيهم بالموت والمرض والصعق والبرق إلى غير ذلك من الأمور التي لا يقدر عليها سواه تعالى. فتفهم ذلك موفقا.