٦٤] ، وقال جل شأنه في الدنيا : (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) [سورة الحديد ، الآية : ٢٠] ، وقال تعالى : (فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) [سورة التوبة ، الآية : ٣٨] وقد وردت أخبار كثيرة عن المعصومين (عليهمالسلام) في ذم الدنيا وطالبها والترغيب إلى الآخرة ، فعن نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) في ما اشتهر عنه : «الدنيا ميتة وطالبها كلاب» إلى غير ذلك من الأخبار التي يصعب ضبطها.
إن قيل : إنه كيف تكون الدنيا كذلك وأنها مزرعة الآخرة ولولاها لم تتحقق الجنان العالية ولا الوجوه الناضرة. (يقال) : إذا لوحظت الدنيا من حيث نفسها فهي قبيحة مذمومة. وإذا لوحظت من حيث وقوعها في طريق الآخرة بما ارتضاه الله تعالى فهي ممدوحة بل هي من بعض مظاهر الآخرة ظهرت في هذا العالم لمصالح كثيرة على ما يأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ). الخفيف معروف ، وهو من المعاني الإضافية فربما يكون شيء واحد خفيفا من جهة وثقيلا من جهة أخرى ، قال نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله): «قول لا إله إلّا الله خفيف على اللسان ثقيل في الميزان». وهو في المقام بمعنى التسهيل ، كقوله (صلىاللهعليهوآله): «من استخف بصلاته فلا يرد عليّ الحوض» أي تساهل فيها. ويستعمل في القرآن غالبا مقرونا بالخلود ، قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٨٨] ويمكن أن يستفاد الخلود في المقام من قوله تعالى : (وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) لأنهم بأعمالهم قد سدوا على أنفسهم أبواب رحمته تعالى فلا ينصرهم ناصر ، فيكون عدم النصر مساوقا للخلود في النار ، وتقتضيه مناسبة الحكم والموضوع أيضا.
وذكر كلمة الفاء في قوله تعالى (فَلا يُخَفَّفُ) قرينة على أن مدخولها مترتب على أفعالهم من باب ترتب المعلول على علته ، كما في قول القائل تحركت اليد فتحرك المفتاح.