إعجاز القرآن بعدم الاختلاف فيه :
قال تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [سورة النساء ، الآية : ٨٢] وفي سياقه آيات كثيرة تدل على أنه محفوظ وانه في كتاب مكنون. لم يسلم كتاب من وجود الاختلاف فيه فربما يكون واضحا وقد يكون خفيا لا يدركه إلّا من كان له حظ من العلم إلّا أن القرآن الكريم سلم من وجود الاختلاف فيه والآيات الشريفة تشير إلى برهان قويم وهو أنه قد ثبت بالأدلة العقلية والنقلية أن الله تعالى واحد ذاتا وصفة وفعلا فالوحدة الحقة الحقيقية تامة بالنسبة إليه عزوجل ، وكلامه واحد من عند واحد لأن عالم المعنى والحقيقة لا تكثر فيه والتكثر إنما يكون في المضاف إليه دون المضاف ، بل لا تكثر في ذات الإضافة أيضا وقد يقرب ذلك بالتمثيل بالشمس في مرتبة الإشراق والإشعاع فيكون المستشرق متعددا لا الإشراق الفعلي الإضافي. فالاختلاف في عالم الحقيقة ـ ولا سيما الحقيقة الحقة الواقعية ـ خلف ، لفرض الوحدة في جميع جهاته ، وكلامه عزوجل من فعله وفعله واحد كوحدة ذاته ، إذ لا حول ولا قوة إلّا بالله العظيم كما اثبتوا ذلك بالبراهين العقلية.
هذا مضافا إلى أنّ كلامه نزل على الفطرة المستقيمة والفطرة واحدة ، فالقرآن واحد لا اختلاف فيه ، هذا بالنسبة إليه عزوجل. وأما بالنسبة إلى غيره فليس فيه إلّا مثار الكثرة ، ومنشأ التغير والاختلاف فيكون فرض الوحدة فيه خلفا.
ثم إنّه قد يعترض أحد بأنّ النسخ الواقع في القرآن ، وما أخذه جمع من متناقضات القرآن هو من الاختلاف فيه.
ولكن نجيب عنه : بأنّ النسخ ليس من الاختلاف بشيء بل هو من شؤون جعل القانون وحدوده ، لأنّ جعل القانون وتشريع الأحكام إنما يكون على طبق المصالح والمقتضيات وهي تختلف في نشأة الكون والفساد ، وليس النسخ إلّا هذا ، على ما يأتي تفصيله.
وأما أخذ المتناقضات فلأنّها إنّما كانت حسب وهم نفس الآخذين لها