لهم ذات أنواط كما كان عند أقوام آخرين. فحقيقة الجهل المركب واحدة وان اختلفت مظاهرها. وقد أخبر نبينا الأعظم (صلىاللهعليهوآله) بأن ما وقع في بني إسرائيل يقع في هذه الأمة أيضا. ولا ريب أن تلك الأسئلة لا تصدر إلّا ممن طبع على اللجاج والعناد ، وعدم الإعتقاد بما جاء به الأنبياء ، ولذا أنكر عليهم سبحانه وتعالى.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمانِ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ). التبديل هو جعل شيء بإزاء شيء آخر بدلا منه. والسواء هو الوسط ، وسواء السبيل الصراط المستقيم. أي إن من عاند أنبياء الله تعالى ولم يؤمن بما جاؤا به بكثرة السؤال فقد اختار الكفر على الإيمان ، ومن كان كذلك فقد ضل عن الصراط المستقيم.
والمراد بالتبديل حقيقته الأعم من أن يكونوا قد قصدوا ذلك أو لم يقصدوه ، وهذه العناية لم توجد في التعبير بالشراء والاشتراء الواقعين في آيات اخرى.
والسرّ في ذلك ما ثبت في الفلسفة العملية من أن أفعال العباد وإن كانت معلولة للإنسان لكنها مع كونها كذلك لها جهة علّية في نفس الفاعل ، فتكون مؤثرة فيه بنحو من الأنحاء فيصير علة لعمله ، وعمله علة مؤثرة فيه أيضا ، فإذا كان العمل الصادر من الإنسان خيرا أثّر فيه وأوجب صفاء نفسه ونورا في قلبه ، وإن كان شرا أوجب ظلمة وكدورة فيها حتّى تصل إلى ما قاله تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤] وحينئذ يرى الفاعل أثر فعله في هذه الدنيا فلا اختصاص لقوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [سورة الزلزال ، الآية : ٨] بالآخرة بل يعم جميع العوالم ، كما تدل عليه الأحاديث الكثيرة التي تأتي الإشارة إليها في محلها. وعليه فإذا لم يسلك الصّراط المستقيم انسلاكا اعتقاديا أو عمليا فقد ضل عن سواء السبيل.