وعن أمير المؤمنين عليهالسلام قال : « من ما من آية إلّا ولها أربعة معان : ظاهر ، وباطن ، وحدّ ، ومطّلع ، فالظاهر التلاوة ، والباطن الفهم ، والحدّ هو أحكام الحلال والحرام ، والمطّلع هو مراد الله من العبد بها » (١) .
والظاهر من قوله : « والباطن الفهم » فهم ما وراء الظاهر من العلوم الكثيرة بالطرق المذكورة المعلومة عندهم.
في بيان أنّ علوم النّبيّ والأئمّة عليهمالسلام جميعا مستفادة من القرآن
بل يستفاد من بعض الأخبار أنّ علوم النّبيّ صلىاللهعليهوآله وأوصيائه صلوات الله عليهم مستفادة من القرآن العظيم ، والقرآن مظهر للعلوم غير المتناهية الإلهيّة ومجلاه ، ولذا قال الصادق عليهالسلام : « لقد تجلّى الله تعالى [ لخلقه ] في كلامه ، ولكنّ النّاس لا يبصرون » (٢) .
وروي عنه عليهالسلام أنّه سئل : هل عندكم من رسول الله صلىاللهعليهوآله شيء من الوحي سوى القرآن ؟ قال : « لا والذي فلق الحبّة وبرأ النّسمة ، إلّا أن يعطى عبد فهما في كتابه » (٣) .
والظاهر أنّ المراد من إعطاء الفهم إنارة قلب العبد وتقوية عقله ، وجودة ذهنه ، وتكميل قوّته النّظريّة ، وتعليمه طرق الاستفادة.
وتوضيح المقام بمقدار يسعه الافهام أنّه لا شبهة أنّ لكلّ موجود وجودات مختلفة في عالم الألفاظ ، وعالم الذهن ، وعالم المثل والصور ، وعالم الحقائق ، على اختلاف مراتبها ودرجاتها قوّة وضعفا وسعة وضيقا ، وقد حقّق في محلّه أنّ كلّ عالم مرتبط بالعوالم الاخر وقشر لما فيه مستتر ، ولكلّ وجود آثار في عالمه ، ولكلّ أثر ملاك وأثر وحكم ومصالح بلا عدّ ومرّ ، فمن زكت نفسه ، وكملت جودته ، ينتقل ذهنه من عالم إلى عالم ، ومن مناسب إلى مناسب ، ومن ملزوم إلى لازم ، ومن مؤثّر إلى أثر ، ومن أثر إلى أثر ما شاء الله ، فمن رزقه الله فهم كتابه ، يصل من ظاهره إلى لبابه ، ومنها إلى دقائقه ، ومنها إلى حقائقه ، حتّى يبلغ إلى درجة لا يخفى عليه خافية ، ويحيط بحقائق الأشياء في عوالمها كما هي.
وقد حكى الفيض رحمهالله عن بعض أهل المعرفة ما ملخّصه : إنّ العلم بالشيء إمّا يستفاد من الحسّ
__________________
(١) تفسير الصافي ١ : ٢٨.
(٢) أسرار الصلاة للشهيد الثاني : ١٤٠.
(٣) تفسير الصافي ١ : ٢٩.