عن حالات سيّئة وآلام شديدة تعرض للشّيطان عند اشتغال العبد بهذه العبادات لكمال اشمئزازه عنها.
ونقل أنّه من استعاذ بالله على وجه الحقيقة وعن صميم القلب ، جعل الله بينه وبين الشّيطان ثلاثمائة حجاب ، كلّ حجاب كما بين السماء والأرض (١) .
وقيل : إنّ التعوّذ بالله رجوع من الخلق إلى الخالق ، ومن الحاجة التامّة التي تكون للنّفس إلى الغنى التامّ بالحقّ ، ومن العجز إلى القدرة في كلّ الخيرات ، واكتساب البركات ، ودفع جميع الشرور والآفات ، ففيه سرّ قوله : ﴿فَفِرُّوا إِلَى اللهِ﴾(٢) .
ومن الواضح أنّ لكثرة فوائد الاستعاذة كثرت الرّوايات في الترغيب إليها عند الشّروع في كلّ أمر من الامور الدينيّة والأعمال الخيريّة التي من أهمّها تلاوة القرآن العظيم والكتاب الكريم.
قال الله تعالى : ﴿فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ﴾(٣) فإنّ التأدّب بأدب الله مؤدّ إلى الفلاح الدائم والسعادة اللازمة ، ثمّ إنّه بعد ما التجأ العبد إلى الله تعالى بالجنان واللسان ، وتمكّن في حصن الرّحمن ، وامتنع من مكائد الشّيطان ، وحصل له الأمان ، ينبغي أن يستمدّ من ربّه ، ويقتبس نورا لقلبه ، حتّى يقوى على العمل ، ويفوز بما رجاه وأمّل من غير ملل ولا فتور ولا كسل ، بل بحضور القلب والانبساط ، وكمال الشوق والنشاط ، وطمأنينة النفس وانشراح الصدر ، وليس ذلك إلّا بذكر الله ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾(٤) فإنّ بالذكر بعد الاستعاذة تحصل نورانيّة معنويّة للرّوح ، كما أنّ به تحصل طهارة ظاهريّة جسمانيّة للحيوان المذكّى ، وترتّب الذكر على الاستعاذة من جهة تأخّر رتبة التحلية على التّخلية ، والإقبال على الله على الانقطاع عمّا سواه ، إذ إنّه ليس للمؤمن حالّ يكون فيه أقرب إلى الله من حال يكون ذاكرا.
__________________
(١) تفسير روح البيان ١ : ٥.
(٢) تفسير روح البيان ١ : ٥ ، والآية من سورة الذاريات : ٥١ / ٥٠.
(٣) النحل : ١٦ / ٩٨.
(٤) الرعد : ١٣ / ٢٨.